الله المشتمل على شرائعه، وأن الذي له عليه السلام من معنى الاتباع هو الايمان بنبوته ورسالته من غير تكذيب به، واحترامه بالتسليم له ونصرته فيما عزم عليه من سيرته.
والكلام أعني قوله: " فالذين آمنوا به " الآية نتيجة متفرعة على قوله في صدر الآية: " الذين يتبعون الرسول " الآية بناء على ما قدمناه من أنه بيان خاص مستخرج من قوله: " والذين هم بآياتنا يؤمنون " الذي هو بيان عام، والمعنى إذا كان اتباع الرسول بهذه الأوصاف والنعوت هو من الايمان بآياتنا الذي شرطناه على بني إسرائيل في قبول دعوة موسى لهم ببسط الرحمة في الدنيا والآخرة وفيه الفلاح بكتابة الحسنة في الدنيا والآخرة فالذين آمنوا به - إلى آخر ما شرط الله - أولئك هم المفلحون.
قوله تعالى: " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا - إلى قوله - ويميت " لما لاح من الأوصاف التي وصف بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن عنده كمال الدين الذي به حياة الناس الطيبة في أي مكان فرضوا وفي أي زمان قدر وجودهم، ولا حاجة للناس في طيب حياتهم إلى أزيد من أن يؤمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، وتحلل لهم الطيبات، وتحرم عليهم الخبائث، ويوضع عنهم إصرهم والاغلال التي عليهم أمر نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلن بنبوته الناس جميعا من غير أن تختص بقوم دون قوم فقال: " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ".
وقوله: " الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت " صفات وصف الله بها، وهي بمجموعها بمنزلة تعليل يبين بها إمكان الرسالة من الله في نفسها اولا وإمكان عمومها لجميع الناس ثانيا فيرتفع به استيحاش بني إسرائيل أن يرسل إليهم من غير شعبهم وخاصة من الأميين وهم شعب الله ومن مزاعمهم أنه ليس عليهم في الأميين سبيل، وهم خاصة الله وأبناؤه وأحباؤه، وبه يزول استبعاد غير العرب من جهة العصبية القومية أن يرسل إليهم رسول عربي.
وذلك أن الله الذي اتخذه رسولا هو الذي له ملك السماوات والأرض والسلطنة العامة عليها، ولا إله غيره حتى يملك شيئا منها فله أن يحكم بما يشاء من غير أن يمنع عن حكمه مانع يزاحمه أو تعوق إرادته إرادة غيره فله أن يتخذ رسولا إلى عباده وأن يرسل رسوله إلى بعض عباده أو إلى جميعهم كيف شاء.