" لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " إبراهيم: 7 فلا يعذب الله سبحانه باقتضاء من ربوبيته ولو كان كذلك لعذب كل أحد بل إنما يعذب بعض من تعلقت به مشيته فلا تتعلق مشيته إلا بعذاب من كفروا نعمه فالعذاب إنما هو باقتضاء من قبل المعذبين لكفرهم لا من قبله.
على أن كلامه سبحانه يعطي أن العذاب إنما حقيقته فقدان الرحمة، والنقمة عدم بذل النعمة، ولا يتحقق ذلك إلا لعدم استعداد المعذب بواسطة الكفران والذنب لإفاضة النعمة عليه وشمول الرحمة له، فسبب العذاب في الحقيقة عدم وجود سبب الرحمة.
وأما سعة الرحمة وإفاضة النعمة فمن المعلوم أنه من مقتضيات الألوهية ولوازم صفة الربوبية فما من موجود مخلوق إلا ووجوده نعمة لنفسه ولكثير ممن دونه لارتباط أجزاء الخلقة، وكل ما عنده من خير أو شر نعمة إما لنفسه ولغيره كالقوة والثروة وغيرهما التي يستفيد منها الانسان وغيره، وإما لغيره إذا كان نقمة بالنسبة إليه كالعاهات والآفات والبلايا يستضر بها شئ وينتفع أشياء وعلى هذا فالرحمة الإلهية واسعة كل شئ فعلا لا شأنا، ولا يختص بمؤمن ولا كافر ولا ذي شعور ولا غيره ولا دنيا ولا آخرة، والمشيئة لازمة لها.
نعم تحقق العذاب والنقمة في بعض الموارد - وهو معنى قياسي - يوجب أن يتحقق هناك رحمة تقابلها وتقاس إليها فإن حرمان البعض من النعمة التي أنعم الله بها على بعض آخر إذا كان عذابا كان ما يجده البعض الآخر رحمة تقابل هذا العذاب، وكذا نزول ما يتألم به ويؤذي على بعض كالعقوبات الدنيوية والأخروية إذا كان عذابا كان الامن والسلامة التي يجدها البعض الآخر رحمة بالنسبة إليه وتقابله، وإن كانت الرحمة المطلقة بالمعنى الذي تقدم بيانه يشملهما جميعا.
فهناك رحمة إلهية عامة يتنعم بها المؤمن والكافر والبر والفاجر وذو الشعور وغير ذي الشعور فيوجدون بها ويرزقون بها في أول وجودهم ثم في مسيرة الوجود ما داموا سالكين سبيل البقاء، ورحمة إلهية خاصة وهي العطية الهنيئة التي يجود بها الله سبحانه في مقابل الايمان والعبودية، وتختص لا محالة بالمؤمنين الصالحين من عباده من حياة طيبة نورانية في الدنيا، وجنة ورضوان في الآخرة ولا نصيب فيها للكافرين والمجرمين،