تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٧٥
ويقابل الرحمة الخاصة عذاب وهو اللاملائم الذي يصيب الكافرين والمجرمين من جهة كفرهم وجرمهم في الدنيا كعذاب الاستئصال والمعيشة الضنك وفي الآخرة من النار وآلامها، ولا يقابل الرحمة العامة شئ من العذاب إذ كل ما يصدق عليه اسم شئ فهو من مصاديق الرحمة العامة لنفسه أو لغيره، وكونه رحمة هي المقصودة في الخلقة، وليس وراء الشئ شئ.
إذا تحقق هذا تبين أن قوله تعالى " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ " بيان لخصوص العذاب وعموم الرحمة، وإنما قابل بين العذاب والرحمة العامة مع عدم تقابلهما لان ذكر الرحمة العامة توطئة وتمهيد لما سيذكره من صيرورتها رحمة خاصة في حق المتقين من المؤمنين.
وقد اتضح بما تقدم أن سعة الرحمة ليست سعة شأنية وأن قوله: " ورحمتي وسعت كل شئ " ليس مقيدا بالمشيئة المقدرة بل من لوازم سعة الرحمة الفعلية كما تقدم، وذلك لان الظاهر من الآية أن المراد بالرحمة الرحمة العامة وهي تسع كل شئ بالفعل وقد شاء الله ذلك فلزمتها فلا محل لتقدير " ان شئت " خلافا لظاهر كلام جمع من المفسرين.
قوله تعالى: " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون " تفريع على قوله: " عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي " الآية أي لازم وجوب إصابة العذاب بعض الناس وسعة الرحمة لكل شئ أن أوجب الرحمة على البعض الباقي، وهم الذين يتقون ويؤتون الزكاة الآية.
وقد ذكر سبحانه الذين تنالهم الرحمة بأوصاف عامة وهي التقوى وإيتاء الزكاة والايمان بآيات الله من غير أن يقيدهم بما يخص قومه: كقولنا للذين يتقون منكم ونحو ذلك لان ذلك مقتضى عموم البيان في قوله: " عذابي أصيب به من أشاء " الآية والبيان العام ينتج نتيجة عامة.
وإذا قوبلت مسألة موسى بالآية كانت الآية بمنزلة المقيدة لها فإنه عليه السلام سأل الحسنة والرحمة لقومه ثم عللها بقوله: " أنا هدنا إليك " فكان معنى ذلك مسألة الرحمة لكل من هاد ورجع منهم بأن يكتب الله حسنة الدنيا والآخرة لمجرد هودهم وعودهم
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»
الفهرست