تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٧٧
وعلى أي حال معنى الآية: " فسأكتبها " أي سأكتب رحمتي وأقضيها وأوجبها استعيرت الكتابة للايجاب لان الكتابة أثبت وأحكم " للذين يتقون " ويجتنبون المعاصي وترك الواجبات " ويؤتون الزكاة " وهي الحق المالي أو مطلق الانفاق في سبيل الله الذي ينمو به المال، ويصلح به مفاسد الاجتماع، ويتم به نواقصه، وربما قيل: إن المراد بها زكاة النفس وطهارتها، وإيتاء الزكاة إصلاح أخلاق النفس. وليس بشئ.
" والذين هم بآياتنا يؤمنون " أي يسلمون لما جاءتهم من عند الله من الآيات والعلامات سواء كانت آيات معجزة كمعجزات موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم، أو أحكاما سماوية كشرائع موسى وأوامره وشرائع غيره من الأنبياء، أو الأنبياء أنفسهم أو علامات صدق الأنبياء كعلائم محمد صلى الله عليه وآله وسلم التي ذكرها الله تعالى لهم في كتاب موسى وعيسى عليهما السلام فكل ذلك آيات له تعالى يجب عليهم وعلى غيرهم أن يؤمنوا بها ويسلموا لها ولا يكذبوا بها.
وفي الآية التفات من سياق التكلم مع الغير إلى الغيبة فإنه قال أولا: " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ". ثم قال: " قال عذابي أصيب به " الآية وكأن النكتة فيه إظهار ما له سبحانه من العناية الخاصة باستجابة دعاء الداعين من عباده فيقبل عليهم هو تعالى من غير أن يشاركه فيه غيره ولو بالتوسط فإن التكلم بلفظ المتكلم مع الغير لاظهار العظمة لمكان أن العظماء يتكلمون عنهم وعن أتباعهم فإذا أريد إظهار عناية خاصة بالمخاطب أو بالخطاب تكلم بلفظ المتكلم وحده.
وعلى هذا جرى كلامه تعالى فاختار سياق المتكلم وحده المناسب لمعنى المناجاة والمسارة فيما حكى من أدعية أنبيائه وأوليائه واستجابته لهم في كلامه كأدعية نوح وإبراهيم ودعاء موسى ليلة الطور، وأدعية سائر الصالحين واستجابته لهم، ولم يعدل عن سياق المتكلم وحده إلا لنكتة زائدة.
وأما قوله: " والذين هم بآياتنا يؤمنون " وما فيه من العدول من التكلم وحده - السياق السابق - إلى التكلم مع الغير فالظاهر أن النكتة فيه إيجاد الاتصال بين هذه الآية والآية التالية التي هي نوع من البيان لهذه الجملة أعني قوله: " والذين هم بآياتنا يؤمنون " فإن الآية التالية - كما سيجئ - بمنزلة المعترضة من النتيجة المأخوذة في ضمن
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»
الفهرست