تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٨١
به من حد الدعوة الخالية إلى درجة الجهاد في سبيل الله بالأموال والنفوس، وهو الدين الوحيد الذي أحصى جميع ما يتعلق به حياة الانسان من الشؤون والأعمال ثم قسمها إلى طيبات فأحلها، وإلى خبائث فحرمها، ولا يعادله في تفصيل القوانين المشرعة أي شريعة دينية وقانون اجتماعي، وهو الدين الذي نسخ جميع الأحكام الشاقة الموضوعة على أهل الكتاب واليهود خاصة، وما تكلفها علماؤهم، وابتدعها أحبارهم ورهبانهم من الاحكام المبتدعة.
فقد اختص الاسلام بكمال هذه الأمور الخمسة وإن كانت توجد في غيره نماذج من ذلك.
على أن كمال هذه الأمور الخمسة في هذه الملة البيضاء أصدق شاهد وأبين بينة على صدق الناهض بدعوتها صلى الله عليه وآله وسلم، ولو لم تكن تذكر أمارات له في الكتابين فإن شريعته كمال شريعة الكليم والمسيح عليه السلام وهل يطلب من شريعة حقة إلا عرفانها المعروف وإنكارها المنكر، وتحليلها الطيبات، وتحريمها الخبائث، وإلغاؤها كل إصر وغل؟ وهي تفاصيل الحق الذي يدعو إليه الشرائع الإلهية فليعترف أهل التوراة والإنجيل أن الشريعة التي تتضمن كمال هذه الأمور بتفاصيلها هي عين شريعتهم في مرحلة كاملة.
وبهذا البيان يظهر أن قوله تعالى: " يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر " الآية يفيد بمجموعة معنى تصديقه لما في كتابيهم من شرائع الله تعالى كأنه قيل مصدقا لما بين يديه كما في قوله تعالى: " ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون " البقرة: 101 وقوله: " ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " البقرة: 89 يريد مجئ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكمال ما في كتابهم من الشريعة مصدقا له ثم كفرهم به وهم يعلمون أنه المذكور في كتبهم المبشر به بلسان أنبيائهم كما حكى سبحانه عن المسيح في قوله: " يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " الصف: 6.
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»
الفهرست