تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٨٠
لا يغني شيئا فإن ترك التسليم والطاعة عملا تكذيب بآيات الله وإن كان هناك اعتقاد بأنه حق.
وذكره صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الأوصاف الثلاث: الرسول النبي الأمي، ولم يجتمع له في موضع من كلامه تعالى إلا في هذه الآية والآية التالية، مع قوله تعالى بعده: " الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل " تدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان مذكورا فيهما معرفا بهذه الأوصاف الثلاث.
ولولا أن الغرض من توصيفه بهذه الثلاث هو تعريفه بما كانوا يعرفونه به من النعوت المذكورة له في كتابيهم لما كانت لذكر الثلاث: " الرسول النبي الأمي " وخاصة الصفة الثالثة نكتة ظاهرة.
وكذلك ظاهر الآية يدل أو يشعر بأن قوله: يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر إلى آخر الأمور الخمسة التي وصفه صلى الله عليه وآله وسلم بها في الآية من علائمه المذكورة في الكتابين، وهي مع ذلك من مختصات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وملته البيضاء فإن الأمم الصالحة وإن كانوا يقومون بوظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ذكره تعالى من أهل الكتاب في قوله: " ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة - إلى أن قال - ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين " آل عمران: 114.
وكذلك تحليل الطيبات وتحريم الخبائث في الجملة من جملة الفطريات التي أجمع عليها الأديان الإلهية، وقد قال تعالى: " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق " الأعراف: 32.
وكذلك وضع الاصر والاغلال وإن كان مما يوجد في الجملة في شريعة عيسى عليه السلام كما يدل عليه قوله فيما حكى الله عنه في القرآن الكريم: " ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم " آل عمران: 50 ويشعر به قوله خطابا لبني إسرائيل: " قد جئتكم بالحكمة ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه " الزخرف 63.
إلا أنه لا يرتاب ذو ريب في أن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم بكتاب من عند الله مصدق لما بين يديه من الكتب السماوية - وهو دين الاسلام - هو الدين الوحيد الذي نفخ في جثمان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كل ما يسعه من روح الحياة، وبلغ
(٢٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 ... » »»
الفهرست