تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٦٦
تصورناه بل تصورنا غيره، وعاد عند ذلك علومنا جهالات.
وإذ كان لا واسطة بين الخالق والمخلوق ليكون رابطة بينهما فلا تمكن معرفته سبحانه بشئ آخر غير نفسه فلو عرف بشئ كان ذلك الشئ هو نفسه بعينه، وإن لم يعرف بنفسه لم يعرف بشئ آخر أبدا فدعوى أنه تعالى معروف بشئ من الأشياء كتصور أو تصديق أو آية خارجية شرك خفي لأنه إثبات واسطة بين الخالق والمخلوق يكون غيرهما جميعا وما هذا وصفه غير محتاج الوجود إلى الخالق تعالى فهو مثله وشريكه فالله سبحانه لو عرف عرف بذاته، ولو لم يعرف بذاته لم يعرف بشئ آخر البتة لكنه سبحانه معروف، فهو معروف بذاته أي أن ذاته المتعالية والمعروفية شئ واحد بعينه فمن المستحيل أن يكون مجهولا لان ثبوت ذاته عين ثبوت معروفيته.
وأما بيان كونه تعالى معروفا فلان شيئا من الأشياء المخلوقة لا يستقل عنه تعالى بذاته بوجه من الوجوه لا في خارج ولا في ذهن، فوجوده كالنسبة والربط الذي لا يمكنه الاستقلال عن طرفه بوجه من الوجوه، فإذا تعلق علم مخلوق بشئ من الأشياء أي وقع المعلوم في ظرف علمه لم يتحقق هناك إلا ومعه خالقا متكئا بوجوده عليه وإلا لاستقل دونه فلا يجد عالم معلومه إلا وقد وجد الله سبحانه قبله، والعالم نفسه حيث كان مخلوقا لم يستقل بالعلم إلا بالله سبحانه الذي قوم وجود هذا العالم، ولو استقل به دونه كان مستقلا دونه غير مخلوق له، فالله سبحانه يحتاج إليه العالم في كونه عالما كما يفتقر إليه وجود المعلوم في كونه معلوما أي أن العلم يتعلق باستقلال ذات المعلوم أي أن الله سبحانه هو المعلوم أولا ويعلم به المعلوم ثانيا كما أنه تعالى هو العالم أولا وبه يكون الشئ عالما ثانيا فافهم ذلك وتدبر في قوله تعالى: " ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء " البقرة : 255، وفي قوله عليه السلام: " ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله ".
فقد تبين أنه تعالى معروف لان ثبوت علم ما بمعلوم ما في الخارج لا يتم إلا بكونه تعالى هو المعروف أولا، وثبوت ذلك ضروري.
فقوله عليه السلام: " من زعم أنه يعرف الله بحجاب أو صورة أو مثال فهو مشرك كأن المراد بالحجاب هو الشئ الذي يفرض فاصلا بينه تعالى وبين العارف، وبالصورة الصورة الذهنية المقارنة للأوصاف المحسوسة من الأضواء والألوان والاقدار وبالمثال ما
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»
الفهرست