تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٧٢
على أن ظاهر تلك الأقوال جميعا أنهم إنما عذبوا بالرجفة قبال ما قالوه دون ما فعلوه فالاشكال على تقدير وروده مشترك بين جميع الأقوال فالأقرب كون القصة جزءا من سابقتها كما تقدم.
قوله تعالى: " قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي - إلى قوله - من تشاء " يريد عليه السلام بذلك أن يسأل ربه أن يحييهم خوفا من أن يتهمه بنو إسرائيل فيخرجوا به عن الدين، ويبطل بذلك دعوته من أصلها فهذا هو الذي يبتغيه غير أن المقام والحال يمنعانه من ذلك فها هو عليه السلام واقع أمام معصية موبقة من قومه صرعتهم وغضب إلهي شديد أحاط بهم حتى أهلكهم.
ولذلك أخذ يمهد الكلام رويدا ويسترحم ربه بجمل من الثناء حتى يهيج الرحمة على الغضب، ويثير الحنان والرأفة الإلهية ثم يتخلص إلى مسألته وذكر حاجته في جو خال من موانع الإجابة.
" قال " مبتدئا باسم الربوبية المهيجة للرحمة " رب لو شئت أهلكتهم من قبل " فالامر إلى مشيتك، ولو أهلكتهم من قبل " وإياي " لم يتجه من قومي إلي تهمة في هلاكهم، ثم ذكر أنه ليس من شأن رحمته وسنة ربوبيته أن يؤاخذ قوما بفعل سفهائهم فقال في صورة الاستفهام تأدبا: " أ تهلكنا بما فعل السفهاء منا "؟ ثم أكد القول بقوله:
" إن هي إلا فتنتك " وامتحانك " تضل بها " أي بالفتنة " من تشاء وتهدي من تشاء " أي أن هذا المورد أحد موارد امتحانك وابتلائك العام الذي تبتلي به عبادك وتجريه عليهم ليضل من ضل ويهتدي من اهتدى، وليس من سنتك أن تهلك كل من افتتن بفتنتك فانحرف عن سوى صراطك.
وبالجملة أنت الذي سبقت رحمتك غضبك ليس من دأبك أن تستعجل المسيئين من عبادك بالعقوبة أو تعاقبهم بما فعل سفهاؤهم، وأنت الذي أرسلتني إلى قومي ووعدتني أن تنصرني في نجاح دعوتي، وهلاك هؤلاء المصعوقين يجلب علي التهمة من قومي.
قوله تعالى: " أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين " شروع منه عليه السلام في الدعاء بعد ما قدمه من الثناء، وبدأه بقوله: " أنت ولينا " وختمه بقوله:
" وأنت خير الغافرين " ليقع ما يسأله بين صفتي ولاية الله الخاصة به ومغفرته التي
(٢٧٢)
مفاتيح البحث: الغضب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»
الفهرست