تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٦٤
بالمشاهدة العلمية من غير طريق الاستدلال الفكري بل هناك عدة من الاخبار تنكر أن يكون الله سبحانه معلوما معروفا من طريق الفكر وسيأتي بعضها.
وفي التوحيد بإسناده عن موسى بن جعفر عليه السلام في كلام له في التوحيد: ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه فقد احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، لا إله إلا هو الكبير المتعال.
أقول: وهذا المعنى مروي عن الرضا عليه السلام أيضا على ما في العلل وجوامع التوحيد.
والرواية الشريفة تفسر معنى حصول المعرفة به تعالى معرفة لا تقبل الجهالة، ولا يطرأ عليها زوال ولا تغيير ولا خطأ البتة فهي توضح أن الله سبحانه غير محتجب عن شئ إلا بنفس ذلك الشئ فالالتفات إلى الأشياء هو العائق عن الالتفات إلى مشاهدته تعالى. ثم حكم عليه السلام أن هذا الحاجب الساتر غير مانع حقيقة فهو حجاب غير حاجب وستر غير ساتر.
وينتج مجموع الكلامين أنه سبحانه مشهود لخلقه معروف لهم غير غائب عنهم غير أن اشتغالهم بأنفسهم والتفاتهم إلى ذواتهم حجبهم عن التنبه على أنهم يشهدونه دائما فالعلم موجود أبدا، والعلم بالعلم مفقود في بعض الأحيان، وقد بنى الصادق عليه السلام على هذا الأساس فيما أجاب به بعض من شكى إليه كثرة الشبهات فقال عليه السلام له: هل ركبت السفينة فانكسرت وغرقت وبقيت وحدك على لوحة خشبة منها تلعب بك الأمواج فانقطعت عن كل سبب ينجيك؟ قال: نعم. قال: فهل تعلق قلبك إذ ذاك بشئ؟ قال: نعم. قال: ذلك الشئ هو الله (1).
وفي جوامع التوحيد عن الرضا عليه السلام قال: خلقة الله الخلق حجاب بينه وبينهم.
وفي العلل بإسناده عن الثمالي قال: قلت لعلي بن الحسين عليه السلام: لأي علة حجب الله عز وجل الخلق عن نفسه؟ قال: لان الله تبارك وتعالى بناهم بنيه على الجهل.
أقول: يظهر من رواية التوحيد السابقة أن بناءهم على الجهل هو خلقهم بحيث يشتغلون بأنفسهم.
وفي المحاسن بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عز وجل كان ولا شئ

(1) الحديث منقول بالمعنى.
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»
الفهرست