تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٧١
السفهاء منا لا بما فعل، ولم يذكر هيهنا أنهم قالوا شيئا، وليس من المعلوم أن يكون قولهم " أرنا الله جهرة " صدر منهم هيهنا بل الحق أنها قصص ثلاث: قصة سؤالهم الرؤية ونزول الصاعقة، وقصة ميقات موسى وصعقته، وقصة ميقات السبعين وأخذ الرجفة، وسنوردها في البحث الروائي التالي إن شاء الله.
ولذلك ذكر بعضهم أن هذا الميقات غير الميقات الأول، وذلك أنهم لما عبدوا العجل أمر الله موسى أن يأتي في أناس منهم إلى الطور فيعتذروا من عبادة العجل فاختار منهم سبعين فأتوا الطور فقالوا ما قالوا فأخذتهم رجفة في أبدانهم كادت تهلكهم ثم انكشفت عنهم بدعاء موسى.
وذكر بعض آخر أن هارون لما مات اتهم بنو إسرائيل موسى في أمره، وقالوا له: أنت حسدته فينا فقتلته، وأصروا على ذلك فاختار منهم سبعين وفيهم ابن هارون فأتوا قبره فكلمه موسى فبرأه هارون من قتله فقالوا: ما نقضي يا موسى ادع لنا ربك يجعلنا أنبياء فأخذتهم الرجفة فصعقوا.
وذكر آخرون أن بني إسرائيل سألوا موسى الرؤية فاختار منهم السبعين فجاؤوا إلى الطور فقالوا ما قالوا وأخذتهم الرجفة فهلكوا ثم أحياهم الله بدعاء موسى إلا أنها قصة مستقلة ليست بجزء من قصة موسى.
وأنت خبير بأن شيئا من هذه الأقوال وبالخصوص القولان الأولان لا دليل عليه من لفظ القرآن، ولا يؤيده أثر معتبر وتقطيع القصة الواحدة إلى قصص متعددة، والانتقال من حديث إلى آخر لتعلق عناية بذلك غير عزيز في القرآن الكريم، وليس القرآن كتاب قصة حتى يعاب بالانتقال عن قصة قبل تمامها، وإنما هو كتاب هداية ودلالة وحكمة يأخذ من القصص ما يهمه.
وأما قوله: " بما فعل السفهاء " وقد كان الصادر منهم قولا لا فعلا فالوجه في ذلك أن المؤاخذة إنما هو على المعصية، والمعصية تعد عملا وفعلا وإن كانت من قبيل الأقوال كما قال تعالى: " إنما تجزون ما كنتم تعملون " التحريم: 7، فإنه شامل لقول كلمة الكفر والكذب والافتراء ونحو ذلك بلا ريب، والظاهر أنهم عذبوا بما كان يستلزمه قولهم من سوء الأدب والعناد والاستهانة بمقام ربهم.
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»
الفهرست