موتكم لعلكم تشكرون " البقرة: 56، وبقوله: " يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك " النساء: 153.
ومن ذلك يظهر أن المراد بالرجفة التي أخذتهم في الميقات رجفة الصاعقة لا رجفة في أبدانهم كما احتمله بعض المفسرين ولا ضير في ذلك فقد تقدم نظير التعبير في قصة قوم صالح حيث قال تعالى: " فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين " الأعراف: 78، وقال فيهم: " فأخذتهم صاعقة العذاب الهون " حم السجدة: 17.
وفي آية النساء المنقولة آنفا إشعار بأن سؤالهم الرؤية كان مربوطا بنزول الكتاب وأن اتخاذ العجل كان بعد ذلك فكأنهم حضروا الميقات لنزول التوراة، وأنهم إنما سألوا الرؤية ليكونوا على يقين من كونها كتابا سماويا نازلا من عند الله، ويؤيد ذلك أن الظاهر أن هؤلاء المختارين كانوا مؤمنين بأصل دعوة موسى، وإنما أردوا بقولهم: " لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " تعليق إيمانهم به من جهة نزول التوراة عليه على الرؤية.
وبهذا كله يتأيد أن هذه القصة جزء من قصة الميقات ونزول التوراة، وأن موسى عليه السلام لما أراد الحضور لميقات ربه ونزول التوراة اختار هؤلاء السبعين فذهبوا معه إلى الطور ولم يقنعوا بتكليم الله كليمه، وسألوا الرؤية فأخذتهم الصاعقة فماتوا ثم أحياهم الله بدعوة موسى، ثم كلم الله موسى وسأل الرؤية وكان ما كان، ومما كان اتخاذ بني إسرائيل العجل بعد غيبتهم وذهابهم لميقات الله، وقد وقع هذا المعنى في بعض الاخبار المأثورة عن أئمه أهل البيت عليهم السلام كما سيجئ إن شاء الله.
وعلى أي حال العناية في هذه القصة ببيان ظلمهم ونزول العذاب عليهم ودعاء موسى لهم لا بيان كون هذه القصة جزءا من القصة السابقة لو كان جزءا، ولا مغايرتها لها لو كانت مغايرة فلا دلالة في اللفظ تنبه على شئ من ذلك.
وما قيل: إن ظاهر الحال أن تكون هذه القصة مغايرة للمتقدمة إذ لا يليق بالفصاحة ذكر بعض القصة ثم النقل إلى أخرى ثم الرجوع إلى الأولى فإنه اضطراب يصان عند كلامه. على أنه لو كانت الرجفة بسبب سؤال الرؤية لقيل: أ تهلكنا بما قال