تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٢٥
الإلهية تقضي بذلك وذلك أنه تعالى نظم الكون نظما يؤدى كل نوع إلى غاية وجوده وسعادته التي خلق لاجلها فإن جرى على صراطه الذي ركب عليه، ولم يخرج عن خط مسيره الذي خط له بلغ غاية سعادته لا محالة، والانسان الذي هو أحد هذه الأنواع أيضا حالة هذا الحال إن جرى على صراطه الذي رسمته له الفطرة واتقى الخروج عنه والتعدي منه إلى غير سبيل الله بالكفر بآياته والافساد في أرضه هداه الله إلى عاقبته الحسنة، وأحياه الحياة الطيبة، وأرشده إلى كل خير يبتغيه.
قوله تعالى: " قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا " الاتيان والمجئ في الآية بمعنى واحد، والاختلاف في التعبير للتفنن، وما قيل إن المعنى من قبل أن تأتينا بالآيات ومن بعد ما جئتنا لا دليل على ما فيه من التقدير. على أن غرضهم إظهار أن مجئ موسى وقد وعدوا أن الله ينجيهم بيده من مصيبة الإسارة وهاوية المذلة لم يؤثر أثره فإن الأذى الذي كانوا يحملونه ويؤذون به على حاله، ولا تعلق لغرضهم بأنه أتاهم بالآيات البتة. وهذا الكلام شكوى منهم يبثونها إلى موسى عليه السلام.
قوله تعالى: " قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون " وهذا جواب من موسى عن قولهم: " أوذينا " الخ، يسليهم به ويعزيهم بالرجاء وهو في الحقيقة تكرار لقوله السابق: " استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله " الآية. كأنه يقول: ما أمرتكم به أن اتقوا الله في سبيل مقصدكم كلمة حية ثابتة فإن عملتم بها كان من المرجو أن يهلك الله عدوكم، ويستخلفكم في الأرض بإيراثكم إياها ولا يصطفيكم بالاستخلاف اصطفاء جزافا، ولا يكرمكم إكراما مطلقا من غير شرط ولا قيد بل ليمتحنكم بهذا الملك ويبتليكم بهذا التسليط والاستخلاف فينظر كيف تعملون، قال تعالى: " وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " آل عمران: 140.
وهذا مما يخطئ به القرآن ما يعتقده اليهود من كرامتهم على الله كرامة لا تقبل عزلا، ولا تحتمل شرطا ولا قيدا، والتوراة تعد شعب إسرائيل شعب الله الذي لهم الأرض المقدسة كأنهم ملكوها من الله سبحانه ملكا لا يقبل نقلا ولا إقالة.
(٢٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 220 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 ... » »»
الفهرست