الكلام فيه في تفسير قوله: " واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان " البقرة: 102 في الجزء الأول من الكتاب، والاسترهاب الإخافة، ومعنى الآية ظاهر، وقد عد الله فيها سحرهم عظيما.
قوله تعالى: (وأوحينا إلى موسى أن ألق) إلى آخر الآيتين، أن تفسيرية واللقف واللقفان تناول الشئ بسرعة، و الإفك هو صرف الشئ عن وجهه ولذا يطلق على الكذب، وفي الآية وجوه من الايجاز ظاهرة، والتقدير: وأوحينا إلى موسى بعد ما ألقوا أن ألق عصاك فألقاها فإذا هي حية وإذا هي تلقف ما يأفكون.
وقوله: " فوقع الحق " فيه استعارة بالكناية بتشبيه الحق بشئ كأنه معلق لا يعلم عاقبة حاله أ يستقر في الأرض بالوقوع عليها والتمكن فيها أم لا؟ فوقع واستقر " وبطل ما كانوا يعملون " من السحر.
قوله تعالى: " فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين " أي غلب فرعون وأصحابه " هنالك " أي في ذلك المجمع العظيم الذي تهاجم عليهم فيه الناس من كل جانب ففي لفظ " هنالك " إشارة إلى ذلك وهو للبعيد، " وانقلبوا صاغرين " أي عادوا وصاروا أذلاء مهانين.
قوله تعالى: " وألقي السحرة ساجدين قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون " أبهم فاعل الالقاء في قوله: " وألقي السحرة ساجدين " وهو معلوم فإن السحرة هم الذين ألقوا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين، وذلك للإشارة إلى كمال تأثير آية موسى فيهم وإدهاشها إياهم فلم يشعروا بأنفسهم حين ما شاهدوا عظمة الآية وظهورها عليهم إلا وهم ملقون ساجدون فلم يدروا من الذي أوقع بهم ذلك.
فاضطرتهم الآية إلى الخرور على الأرض ساجدين، والايمان برب العالمين الذي اتخذه موسى وهارون، وفي ذكر موسى وهارون دلالة على الايمان بهما مع الايمان برب العالمين.
وربما قيل: إن بيانهم رب العالمين برب موسى وهارون لدفع توهم أن يكون إيمانهم لفرعون فإنه كان يدعى أنه رب العالمين فلما بينوه بقولهم " رب موسى وهارون " ولم يأخذا فرعون ربا اندفع ذلك التوهم، ولا يخلو عن خفاء فإن الوثنية ما كانت تقول برب العالمين بحقيقة معناه بمعنى من يملك العالمين ويدبر أمر جميع أجزائها بالاستقامة