المجرمين " يونس: 13، وقوله: " ثم بعثنا من بعده - يعنى نوحا - رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين " يونس: 74، وعلى هذا فقوله: " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل " تفريع على قوله " ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات "، والمراد بما كذبوا به الآيات البينات التي ذكرتهم بها الأنبياء من آيات الآفاق والأنفس وما جاؤوا به من الآيات المعجزة فالجميع آياته والمراد بتكذيبهم بها من قبل، تكذيبهم بها من حيث دلالة عقولهم بمشاهدتها أنهم مربوبون لله لا رب سواه، وبعدم إيمانهم ثانيا عدم إيمانهم بها حين يذكرهم بها الأنبياء.
فالمعنى فما كانوا ليؤمنوا بما يذكرهم به ويأتي به الأنبياء من الآيات التي كذبوا بها حين ذكرتهم بها عقولهم، وأرسلها الله إليهم ليذكروا ويتضرعوا إليه ويشكروا له.
وعلى هذا فالمراد بالعهد في قوله في الآية التالية: " وما وجدنا لأكثرهم من عهد وأن وجدنا أكثرهم لفاسقين " هو العهد الذي عهده الله سبحانه إليهم من طريق العقل بلسان الآيات: أن لا يعبدوا إلا إياه، والمراد بالفسق خروجهم عن ذلك العهد بعدم الوفاء به.
ولهذا العهد تحقق سابق على هذا التحقق وهو أن الله سبحانه أخذه بعينه منهم حين خلقهم وسواهم بخلق أبيهم آدم وتسويته ثم جعله مثالا للانسانية العامة فاسجد له الملائكة وأدخله الجنة ثم عهد إليه حين أمر بهبوطه الأرض أن يعبده هو وذريته ولا يشركوا به شيئا.
وقد قدر الله سبحانه هنالك ما قدر فهدى بحسب تقديره قوما ولم يهد آخرين ثم إذا وردوا الدنيا وأخذوا في سيرهم في مسير الحياة اهتدى الأولون، وفسق عن عهده الآخرون حتى طبع الله على قلوبهم وحقت عليهم الضلالة في الدنيا بعد أعمالهم السيئة كما تقدم بيانه في تفسير قوله: " كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " الآية: 30 من السورة.
فمعنى الآية على هذا فما كانوا ليؤمنوا عند دعوة الأنبياء بما كذبوا به ولم يقبلوه عند أخذ العهد الأول، وما وجدنا لأكثرهم من وفاء في الدنيا بالعهد الذي عهدناه هناك وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين خارجين عن حكم ذلك العهد.