بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه " لأنه ثالث أولي العزم صاحب كتاب جديد وشريعة جديدة، ودين الله وشرائعه وإن كان واحدا لا تناقض فيه ولا تنافي غير أنه مختلف بالاجمال والتفصيل والكمال وزيادته بحسب تقدم البشر تدريجيا من النقص إلى الكمال، واشتداد استعداده لقبول المعارف الإلهية عصرا بعد عصر إلى أن ينتهي إلى موقف علمي هي أعلى المواقف فيختتم عند ذلك الرسالة والنبوة، ويستقر الكتاب والشريعة استقرارا لا مطمع بعده في كتاب جديد أو شريعة جديدة ولا يبقى للبشر بعد ذلك إلا التدرج في الكمال من حيث انتشار الدين وانبساطه على المجتمع البشري واستيعابه لهم، وإلا التقدم من جهة التحقق بحقائق المعارف، والترقي في مراقي العلم والعمل التي يدعو إليها الكتاب، ويحرض عليها الشريعة والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
فقوله تعالى: " ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا " إلى آخر الآية. إجمال لقصة موسى عليه السلام ثم يؤخذ في التفصيل من قوله: " وقال موسى يا فرعون " الآية، وإنا وإن كنا نسمي هذه القصص بقصة موسى وقصة نوح وقصة هود وهكذا فإنها بحسب ما سردت في هذه السورة قصص الأمم والأقوام الذين أرسل إليهم هؤلاء الرسل الكرام يذكر فيها حالهم فيما واجهوا به رسل الله من الانكار والرد، وما آل إليه أمرهم من نزول العذاب الإلهي الذي أفنى جمعهم، وقطع دابرهم ولذلك ترى أن عامة القصص المذكورة مختومة بذكر نزول العذاب وهلاك القوم.
ولا تنس ما قدمناه في مفتتح الكلام أن الغرض منها بيان حال الناس في قبول العهد الإلهي المأخوذ منهم جميعا ليكون إنذارا للناس عامة وذكرى للمؤمنين خاصة، وأنه الغرض الجامع بين ما في سور " ألم " وما في سورة " ص " من الغرض وهو الانذار والذكرى.
فقوله: " ثم بعثنا من بعدهم " أي من بعد من ذكروا من الأنبياء وهم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام " موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه " إي إلى ملك مصر والاشراف الذين حوله، و " فرعون " لقب كان يطلق على ملوك مصر كالخديو كما كان يلقب بقيصر وكسرى وفغفور ملوك الروم وإيران والصين، ولم يصرح القرآن، الكريم باسم هذا الفرعون الذي أرسل إليه موسى فأغرقه الله بيده.