تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢١٧
بل قسموا أجزاء العالم وشؤونها بين أرباب شتى، وإنما أعطوا الله سبحانه مقام إله الآلهة ورب الأرباب لا رب الأرباب ومربوبيها.
والذي ادعاه فرعون لنفسه على ما حكاه الله من قوله: " أنا ربكم الاعلى " النازعات: 24، إنما هو العلو من جهة القيام بحاجة الناس - وهم أهل مصر خاصة - عن قرب واتصال لا من جهة القيام بربوبية جميع العالمين، ومع ذلك كله قد أحاطت الخرافات على الوثنية بحيث لا يستبعد أن يتفوهوا بكون فرعون رب العالمين وأن خالف أصول مذاهبهم قطعا.
قوله تعالى: " قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم " إلى آخر الآيتين خاطبهم فرعون بقوله: " آمنتم به قبل أن آذن لكم " تأنفا واستكبارا، وهو إخبار يفيد بحسب المقام والانكار والتوبيخ، ومن الجائز أن يكون استفهاما انكاريا أو توبيخيا محذوف الأداة.
وقوله 6 " أن هذا لمكر مكرتموه في المدينة " الآية يتهمهم بالمواطأة والمواضعة في المدينة يريد أنهم لما اجتمعوا في مدينته بعد ما حشرهم الحاشرون من مدائن مختلفة شتى فجاءوا بهم إليه ولقوا موسى أجمعوا على أن يمكروا بفرعون وأصحابه فيتسلطوا على المدينة فيخرجوا منها أهلها، وذلك لانهم لم يشاهدوا موسى قبل ذلك فلو كانوا تواطؤا على شئ فقد كان ذلك بعد اجتماعهم في مدينته.
أنكر عليهم إيمانهم بقوله: " آمنتم به قبل أن آذن لكم " ثم اتهمهم بأنهم تواطؤا جميعا على المكر ليخرجوا أهل المدينة منها بقوله: " ان هذا لمكر " الخ ليثبت لهم جرم الافساد في الأرض المبيح له سياستهم وتنكيلهم بأشد العقوبات.
ثم هددهم بقوله: " فسوف تعلمون " ثم بينه وفصله بقوله: " لا قطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين " فهددهم تهديدا أكيدا أولا بقطع الأيدي والأرجل من خلاف وهو أن يقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى أو اليد اليسرى مع الرجل اليمنى وبالجملة قطع كل من اليد والرجل من خلاف الجهة التي قطعت منها الأخرى.
وثانيا بالصلب وهو شد المجرم بعد تعذيبه على خشبة ورفع الخشبة بإثبات جانبه على الأرض ليشاهده الناس فيكون لهم عبرة، وقد تقدم تفصيل بيانه في قصص المسيح عليه السلام في تفسير سورة آل عمران.
(٢١٧)
مفاتيح البحث: سورة آل عمران (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»
الفهرست