شيئا وضع الشئ الثاني مكان الشئ الأول والسيئة والحسنة معناهما ظاهر، والمراد بهما ما هما كالشدة والرخاء، والخوف والامن، والضراء والسراء كما يدل عليه قوله بعد:
" قد مس آباءنا الضراء والسراء ".
وقوله: " حتى عفوا " من العفو وفسر بالكثرة أي حتى كثروا أموالا ونفوسا بعد ما كان الله قللهم بالابتلاءات والمحن، وليس - ببعيد وإن لم يذكروه - أن يكون من العفو بمعنى إمحاء الأثر كقوله:
ربع عفاه الدهر طولا فانمحى * قد كاد من طول البلى أن يمسحا فيكون المراد أنهم محوا بالحسنة التي أوتوها آثار السيئة السابقة وقالوا:
" قد مس آباءنا الضراء والسراء " أي أن الانسان وهو في عالم الطبيعة المتحولة المتغيرة من حكم موقفه أن يمسه الضراء والسراء، وتتعاقب عليه الحدثان مما يسوؤه أو يسره من غير أن يكون لذلك انتساب إلى امتحان إلهي ونقمة ربانية.
ومن الممكن بالنظر إلى هذا المعنى الثاني أن يكون قوله: " وقالوا " الخ، عطف تفسير لقوله: " عفوا " والمراد أنهم محوا رسم الامتحان الإلهي بقولهم: " إن الضراء والسراء إنما هما من عادات الدهر المتبادلة المتداولة يداولنا بذلك كما كان يداول آباءنا كما قال تعالى: " ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة " حم السجدة: 50.
وحتى في قوله: " حتى عفوا وقالوا " الآية، للغاية، والمعنى: ثم آتيناهم النعم مكان النقم فاستغرقوا فيها إلى أن نسوا ما كانوا عليه في حال الشدة وقالوا: إن هذه الحسنات وتلك السيئات من عادة الدهر فانتهى بهم إرسال الشدة ثم الرخاء إلى هذه الغاية، وكان ينبغي لهم أن يتذكروا عند ذلك ويهتدوا إلى مزيد الشكر بعد التضرع لكنهم غيروا الامر فوضعوا هذه الغاية مكان تلك الغاية التي رضيها لهم ربهم فطبع الله بذلك على قلوبهم فلا يسمعون كلمة الحق.
ولعل قوله: " الضراء والسراء " قدم فيه الضراء على السراء ليحاذي ما في قوله تعالى: " ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة " من الترتيب.
وفي قوله: " فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون " تلويح إلى جهل الانسان بجريان