أسلافهم، وتنسب إلى لاحقيهم مظالم سابقيهم في آيات كثيرة فيكون المعنى: هو ذا البشر منذ خلقوا إلى اليوم جاءتهم رسلهم بالبينات فما كان يؤمن آخرهم بما كذب به أولهم هذا.
وفيه: أنه وإن كان في نفسه معنى صحيحا لكن السياق لا يلائمه فالكلام مسوق لبيان حال الأمم الغابرة كما يدل عليه قوله: " تلك القرى نقص عليك من أنبائها " ولو كانوا مأخوذين على نعت الوحدة الممتدة بامتداد أعصارهم حتى يكون لها أول وآخر وصدر وذيل تكفر بآخرها وذيلها بما كذبت به بأولها وصدرها كان من حق الكلام أن يدل على مثل هذا الاستمرار في قوله: " جاءتهم رسلهم بالبينات " فيقال: كانت تأتيهم رسلهم بالبينات أو ما يؤدى هذا المعنى لا بمثل قوله: " جاءتهم " الظاهر في اعتبار الدفعة والمرة فافهم ذلك.
وذلك كما في قوله تعالى: " كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون " المائدة: 70، فمن المعلوم أنه ربما كان المكذبون غير القاتلين، وقد نسب الجميع إلى مجتمع واحد لكن دل على استمرار مجئ الرسول، ونظيره قوله: " ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله " التغابن: 6، وكذا قوله في قصص الأنبياء بعد نوح: " ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل " يونس: 14، فإن مفاد قوله: " بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم بعثنا كل رسول إلى قومه.
6 -: أن الباء في قوله: " بما كذبوا " سببية وما مصدرية، والمراد بتكذيبهم من قبل ما اعتادوه من تكذيب الرسل أو كل حق واجههم، والمعنى: فما كانوا ليؤمنوا بسبب التكذيب الذي تقدم منهم للرسل أو لكل حق، بربهم.
وفيه: أنه محجوج بنظير الآية وهو قوله: " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل " فإن وجود ضمير " به " فيه دليل على أن ما موصولة. على أن ظاهر الآية أن الباء للتعدية، و " بما " متعلقة بقوله: " ليؤمنوا " على أنه بوجه راجع إلى الوجه الأول.
7 -: أن المراد بما أشير إليه آخرا تكذيبهم الذي أسروه يوم الميثاق والمعنى:
فما كانوا ليؤمنوا عند دعوة الأنبياء في الدنيا بما كذبوا به قبله يوم الميثاق.