تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٢٠٨
وفيه أنه معنى صحيح في نفسه غير أنه من البطن دون الظهر الذي عليه يدور التفسير، والدليل عليه قوله بعده: " كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين " فإنه يصرح بأن عدم إيمانهم كذلك إنما كان بالطبع على قلوبهم، وإن الله طبع على قلوبهم بتكذيبهم السابق فلم يؤمنوا به عند الدعوة اللاحقة، والطبع لا يكون ابتدائيا في الدنيا بل لجرم سابق فيها، وهذا أحسن شاهد على أن هذا التكذيب الذي أورث لهم الطبع على قلوبهم كان في الدنيا ثم الطبع أوجب لهم أن لا يؤمنوا بما كذبوا به من قبل.
وفي هذا المعنى آيات أخر تدل على أن الطبع والختم الإلهي إنما هو عن جرم سابق دنيوي، وليس مجرد سبق التكذيب في الميثاق ينتج الطبع الابتدائي في الدنيا فإنه مما لا يليق به سبحانه البتة، وقد قال: " يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين " البقرة: 26.
قوله تعالى: (وما وجدنا لأكثرهم من عهد) إلى آخر الآية، قال في المجمع من عهد أي من وفاء بعهد كما يقال: فلان لا عهد له أي لا وفاء له بالعهد، وليس بحافظ للعهد (انتهى). ومن الجائز إن يراد بالعهد عهد الله الذي عهده إليهم من ناحية آياته أو عهدهم الذي عاهدوا الله عليه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ومن ناحية حاجة أنفسهم ودلالة عقولهم، قد ظهر معنى الآية مما تقدم (بحث روائي) في الكافي بإسناده عن الحسين بن الحكم قال: كتبت إلى العبد الصالح أخبره أني شاك وقد قال إبراهيم: (رب أرني كيف تحيي الموتى) فإني أحب أن تريني شيئا من ذلك. فكتب إليه. أن إبراهيم كان مؤمنا وأحب أن يزداد إيمانا، وأنت شاك والشاك لا خير فيه. وكتب: إنما الشك ما لم يأت اليقين فإذا جاء اليقين لم يجز الشك.
. وكتب: إن الله عز وجل يقول: (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وأن وجدنا أكثرهم لفاسقين) قال: نزلت في الشاك.
أقول: وانطباقه على ما مر في البيان السابق ظاهر، وقد روى ذيل الحديث العياشي عن الحسين بن الحكم الواسطي وفيه: نزلت في الشكاك.
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»
الفهرست