الاخلاف الذين ورثوا الأرض من أسلافهم.
ومحصل المعنى: أو لم يتبين أخلاف هؤلاء الذين ذكرنا أنا آخذناهم بمعاصيهم بعد ما امتحناهم ثم طبعنا على قلوبهم فلم يستطيعوا أن يسمعوا مواعظ أنبيائهم أنا لو نشاء لأصبناهم بذنوبهم من غير أن يمنعنا منهم مانع أو يتقوا بأسنا بشئ.
وربما قيل: أن قوله " يهد " منزل منزلة اللازم والمعنى: أو لم يفعل بهم الهداية أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم، ونظيره قوله تعالى: " أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم " ألم السجدة: 26.
وأما قوله: " ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون " فمعطوف على قوله " أصبناهم " لان الماضي ههنا في معنى المستقبل، والمعنى أو لم يهد لهم أو لو نشاء نطبع (الخ)، وقيل جملة معترضة تذييلية، وفي الآية وجوه وأقوال أخر خالية عن الجدوى.
قوله تعالى: " تلك القرى نقص عليك من أنبائها " إلى آخر الآية تلخيص ثان لقصصهم المقصوصة سابقا بعد التلخيص الذي مر في قوله: " وما أرسلنا في قرية من نبي " إلى آخر الآيتين أو الآيات الثلاث.
والفرق بين التلخيصين أن الأول تلخيص من جهة صنع الله من أخذهم بالبأساء والضراء ثم تبديل السيئة حسنة ثم الاخذ بغتة وهم لا يشعرون، والثاني تلخيص من جهة حالهم في أنفسهم قبال الدعوة الإلهية، وهو أنهم وإن جاءتهم رسلهم بالبينات لكنهم لم يؤمنوا لتكذيبهم من قبل وما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل، وهذا من طبع الله على قلوبهم.
وقوله: " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل " ظاهر الآية أن قوله " بما " متعلق بقوله " ليؤمنوا " ولازم ذلك أن تكون ما موصولة ويؤيده قوله تعالى في موضع آخر " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل " يونس: 74 فإنه أظهر في كون " ما " موصولة لمكان ضمير " به " ويؤول المعنى إلى أنهم كذبوا بما دعوا إليه أولا ثم لم يؤمنوا به عند الدعوة النبوية ثانيا.
ويؤيده ظاهر قوله " فما كانوا ليؤمنوا " فإن هذا التركيب يدل على نفي التهيؤ القبلي يقال: ما كنت لآتي فلانا، وما كنت لاكرم فلانا وقد فعل كذا أي لم يكن من شأني كذا ولم أكن بمتهيئ لكذا، وفي التنزيل: " ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه