منه؟ فافهم ذلك.
فهذه حقيقة برهانية والقرآن الكريم يصدقها وينص عليها فالله سبحانه هو الذي خلق كل شئ فقدره تقديرا، وهداه إلى ما يسعده، ولم يخلق العالم سدى، ولا شيئا من أجزائه ومنها الانسان لعبا، بل إنما خلق ما خلق ليتقرب منه ويرجع إليه، وهيأ له منزلة سعادة يندفع إليها بحسب فطرته بإذن الله سبحانه، وجعل له سبيلا ينتهي إلى سعادته فإذا سلك سبيله الفطري فهو، وإلا فإن انحرف عنه انحرافا لا مطمع في رجوعه إلى سوي الصراط فقد بطلت فيه الغاية، وحقت عليه كلمة العذاب.
قوله تعالى: " وما أرسلنا في قرية من نبي " إلى آخر الآية. قيل: البأساء في المال كالفقر، والضراء في النفس كالمرض، وقيل: يعني بالبأساء ما نالهم من الشدة في أنفسهم وبالضراء ما نالهم في أموالهم، وقيل: غير ذلك. وقيل: أن البأس والبأساء يكثر استعمالهما في الشدة التي هي بالنكاية والتنكيل كما في قوله تعالى: " والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ".
ولعل قوله بعد: " الضراء والسراء " حيث أريد بهما ما يسوء الانسان وما يسره يكون قرينة على إرادة مطلق ما يسوء الانسان من الشدائد من الضراء، ويكون قوله:
" بالبأساء والضراء " من ذكر العام بعد الخاص.
يذكر سبحانه أن السنة الإلهية جرت على إنه كلما أرسل نبيا من الأنبياء إلى قرية من القرى - وما يرسلهم إليهم إلا ليهديهم سبيل الرشاد - ابتلاهم بشئ من الشدائد في النفوس والأموال رجاء أن يبعثهم ذلك إلى التضرع إليه سبحانه ليتم بذلك أمر دعوتهم إلى الايمان بالله والعمل الصالح.
فالابتلاءات والمحن نعم العون لدعوة الأنبياء فإن الانسان ما دام على النعمة شغله ذلك عن التوجه إلى من أنعمها عليه واستغنى بها، وإذا سلب النعمة أحس بالحاجة، ونزلت عليه الذلة والمسكنة، وعلاه الجزع، وهدده الفناء فيبعثه ذلك بحسب الفطرة إلى الالتجاء والتضرع إلى من بيده سد خلته ودفع ذلته، وهو الله سبحانه وإن كان لا يشعر به وإذا نبه عليه كان من المرجو اهتداؤه إلى الحق، قال تعالى: " وإذا أنعمنا على الانسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض " حم السجدة: 51. قوله تعالى: " ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا " إلى آخر الآية. تبديل الشئ