تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٩٢
الوثنية فإنه يسلم الألوهية لله ثم يفرز الربوبية بمختلف شؤونها بين الأوثان ويسميها رب البحر ورب البر وهكذا.
وقوله: " وسع ربنا كل شئ علما " كالتعليل لتعقيب الكلام بالاستثناء كإنه قيل لما استثنيت بعد ما أطلقت الكلام وقطعت في العزم؟ فقال: لأنه وسع ربي كل شئ علما ولا أحيط من علمه إلا بما شاء فمن الجائز أن يتعلق مشيته بشئ غائب عن علمي ساءني أو سرنى كأن يتعلق علمه بأنا سنخالفه في بعض أوامره فيشاء عودنا إلى ملتكم، وإن كنا اليوم كارهين له، ولعل هذا المعنى هو السبب في تعقيب هذا القول بمثل قوله: " على الله توكلنا " فإن من يتوكل على الله كان حسبه وصانه من شر ما يخاف.
ولما بلغ الكلام هذا المبلغ وقد أخبروهم بعزمهم على أحد الامرين: الاخراج أو العود، وأخبرهم شعيب عليه السلام بالعزم القاطع على عدم العود إلى ملتهم البتة التجأ عليه السلام إلى ربه واستفتح بقوله عن نفسه وعن المؤمنين: " ربنا أفتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين " يسأل ربه أن يفتح بينهم أي بين شعيب والمؤمنين به، وبين المشركين من قومه، وهو الحكم الفصل فإن الفتح بين شيئين يستلزم إبعاد كل منهما عن صاحبه حتى لا يماس هذا ذاك ولا ذاك هذا دعا عليه السلام بالفتح وكنى به عن الحكم الفصل وهو الهلاك أو هو بمنزلته وأبهم الخاسر من الرابح والهالك من الناجي وهو يعلم أن الله سينصره وأن الخزي اليوم والسوء على الكافرين لكنه عليه السلام أخذ بالنصفة للحق وتأدب بإرجاع الامر في ذلك إلى الله كما أتى بنظير ذلك في قوله السابق: " فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
وخير الحاكمين وخير الفاتحين اسمان من أسماء الله الحسنى، وقد تقدم البحث عن معنى الحكم فيما مر، وعن معنى الفتح آنفا وسيجئ الكلام المستوفى في الأسماء الحسنى في تفسير قوله تعالى: " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " الآية 180 من السورة أن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: " وقال الملا الذين كفروا من قومه " إلى آخر الآية. هذا تهديد منهم لمن آمن بشعيب أو أراد أن يؤمن به ويكون من جملة الايعاد والصد اللذين كان شعيب ينهى عنهما بقوله: " ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله "
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست