المادية والقوى الفعالة في الطبيعة بل هو الذي أحاط بكل شئ، وخلق كل سبب فساقه وقاده إلى مسببه وأعطى كل شئ خلقه ثم هدى ولا يحيط بخلقه ومسببه غيره فله أن يتسبب إلى كل شئ بما أراده من الأسباب المجهولة عندنا الغائبة عن علومنا.
وإلى ذلك يشير نحو قوله تعالى: " أن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا " الطلاق: 3، وقوله: " والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " يوسف: 21، وقوله: " وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير " الشورى: 31، إلى غير ذلك من الآيات.
وكيف يسع للانسان أن يحارب الله في ملكه ويتخذ بفكره وسائل لابطال حكمه وإرادته، وليس هو سبحانه في عرضها بل هو في طولها أي هو الذي خلق الانسان وخلق منه هذه الإرادة ثم الفكر ثم الوسائل المتخذة، ووضع كلا في موضعه، وربط بعضها ببعض من بدئها إلى ختمها حتى أنهاها إلى الغاية الأخيرة التي يريد الانسان بجهالته أن يحارب بالتوسل إليها ربه في قضائه وقدره، ويناقضه في حكمه، وهو أحد الأيادي العمالة لما يريده ويحكم به وبعض الأسباب المجرية لما يقدره ويقضى به.
وإلى هذا الموقف الفضيح الانساني يشير تعالى بعد ذكر أخذه الانسان بالبأساء والضراء بقوله: " ثم بدلنا كان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون " على ما سيجئ إن شاء الله تعالى من تقرير معنى الآية عن قريب.
فهذه حقيقة برهانية تقرر أن الانسان كغيره من الأنواع الكونية مرتبط الوجود بسائر أجزاء الكون المحيطة به، ولأعماله في مسير حياته وسلوكه إلى منزل السعادة ارتباط بغيره فإن صلحت للكون صلحت أجزاء الكون له وفتحت له بركات السماء، وإن فسدت أفسدت الكون وقابله الكون بالفساد فإن رجع إلى الصلاح فيها، وإلا جرى على فساده حتى إذا تعرق فيه انتهض عليه الكون وأهلكه بهدم بنيانه وإعفاء أثره، وطهر الأرض من رجسه.
وكيف يمكن للانسان وأنى يسعه أن يعارض الكون بعمله وهو أحد أجزائه التي لا تستقل دونه البتة؟ أو يماكره بفكره وإنما يفكر بترتيب القوانين الكلية المأخوذة