تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٩٧
الانسان كوقوع الحروب وانقطاع الطرق وارتفاع الامن وغير ذلك، أو لا يعود إليه كاختلال الأوضاع الجوية والأرضية الذي يستضر به الانسان في حياته ومعاشه.
ونظيره بوجه قوله تعالى: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " الشورى: 30 على ما سيجئ إن شاء الله من تقرير معناه، وكذلك قوله تعالى: " ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " الرعد: 11، وما في معناه من الآيات.
وبالجملة فإن رجعت الامه بذلك - وما أقله وأندره في الأمم - فهو، وان استمرت على ضلالها وخبطها طبع الله على قلوبهم فاعتادوا ذلك، وأصبحوا يحسبون أن الحياة الانسانية ليست الا هذه الحياة المضطربة الشقية التي تزاحمها أجزاء العالم المادي وتضطهدها النوائب والرزايا، ويحطمها قهر الطبيعة الكونية - وأن ليس للانسان إلا أن يتقدم في العلم ويتجهز بالحيل الفكرية فيبارزها ويتخذ وسائل كافية في دفع قهرها وابطال مكرها كما اتخذ اليوم وسائل تكفي لدفع القحط والجدب والوباء والطاعون وسائر الأمراض العامة السارية، وأخرى تنفي بها السيول والطوفانات والصواعق وغير ذلك مما يأتي به طاغية الطبيعة، ويهدد النوع بالهلاك.
قتل الانسان ما أكفره! أخذه الخيلاء فظن أن التقدم فيما يسميه حضارة وعلما يعده أنه سيغلب طبيعة الكون، ويبطل عزائمها، ويقهرها على أن تطيعه في مشيته، وتنقاد لأهوائه، وهو أحد أجزائها المحكومة بحكمها الضعيفة في تركيبها ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض، ولو فسدت لكان الانسان الضعيف من أقدم أجزائها في الفساد وأسرعها إلى الهلاك.
ويخيل إليه أن الذي ترومه المعرفة الدينية هو أن تبطل نسبة الحوادث العظام إلى أسبابها الطبيعية ثم تضع زمامها في يد صانعها فيكون شريكا من الشركاء، للأسباب الاخر آثارها من الحوادث - وهي الحوادث التي يسعنا البحث عن عللها وأسبابها - وللسبب الذي هو الصانع بقية الآثار من الحوادث كالحوادث العامة والوقائع الجوية كالوباء والقحط والأمطار والصواعق وغيرها ثم إذا كشف عن العلل الطبيعية المكتنفة لهذه الأمور زعم أنه في غنى عن رب العالمين وتدبير ربوبيته.
وقد فاته أن الله عز اسمه ليس سببا في عرض الأسباب وعلة في صف العلل
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»
الفهرست