تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٩٣
ويكون إفراد هذا بالذكر ههنا من بين سائر أقوالهم ليكون كالتوطئة والتمهيد لما سيأتي من قولهم بعد ذكر هلاكهم: " الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين ".
ويحتمل أن يكون الاتباع بمعناه الظاهر العرفي وهو اقتفاء إثر الماشي على الطريق والسالك السبيل بأن يكون الملا المستكبرون لما اضطروه ومن معه إلى أحد الامرين:
الخروج من أرضهم أو العود في ملتهم ثم سمعوه يرد عليهم العود إلى ملتهم ردا قاطعا ثم يدعو بمثل قوله: " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين " لم يشكوا أنه سيتركهم ويهاجر إلى أرض غير أرضهم، ويتبعه في هذا المهاجرة المؤمنون به من القوم خاطبوا عند ذلك طائفة المؤمنين بقولهم: " لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون " فهددوهم وخوفوهم بالخسران إن تبعوه في الخروج من أرضهم ليخرج شعيب وحده فإنهم إنما كانوا يعادونه إياه بالأصالة، وأما المؤمنون فإنما كانوا يبغضون من جهته ولاجله.
وعلى إي الوجهين كان فالآية كالتوطئة والتمهيد للآية الآتية: " الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين " كما تقدمت الإشارة إليه.
قوله تعالى: " فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين " أصبحوا أي صاروا أو دخلوا في الصباح، وقد تقدم معنى الآية في نظيرتها من قصة صالح.
قوله تعالى: " الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها - إلى قوله - الخاسرين " قال الراغب في المفردات: وغني في مكان كذا إذا طال مقامه فيه مستغنيا به عن غيره بغنى قال: كأن لم يغنوا فيها (انتهى). و " كأن " مخفف كأن خفف لدخوله الجملة الفعلية.
فقوله: " الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها " فيه تشبيه حال المكذبين من قومه بمن لم يطيلوا الإقامة في أرضهم فإن أمثال هؤلاء يسهل زوالهم لعدم تعلقهم بها في عشيرة وأهل أو دار أو ضياع وعقار، وأما من تمكن في أرض واستوطنها وأطال المقام بها وتعلق بها بكل ما يقع به التعلق في الحياة المادية فإن تركها له متعسر كالمتعذر وخاصة ترك الامه القاطنة في أرض أرضها وما اقتنته فيها طول مقامها. وقد ترك هؤلاء وهم أمة عريقة في الأرض دارهم وما فيها، في أيسر زمان أخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين.
وقد كانوا يزعمون أن شعيبا ومن تبعه منهم سيحشرون فخاب ظنهم وانقلبت
(١٩٣)
مفاتيح البحث: الخسران (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست