تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٩٠
والافساد أبى طباع الكون ذلك، وضادته الأسباب بقواها، وطحنته بجموعها، وضربت عليه بكل ذلة ومسكنة.
قوله تعالى: " وان كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به " إلى آخر الآية.
ثم دعاهم رابعا إلى الصبر على تقدير وقوع الاختلاف بينهم بالايمان والكفر فأنه كان يوصيهم جميعا قبل هذه الوصية بالاجتماع على الايمان بالله والعمل الصالح، وكأنه أحس منهم إن ذلك مما لا يكون البتة، وأن الاختلاف كائن لا محالة وأن الملا المستكبرين من قومه وهم لذين كانوا يوعدون و يصدون عن سبيل الله سيأخذون في إفساد الأرض وايذاء المؤمنين ويوجب ذلك في المؤمنين وهن عزيمتهم، وتسلط الناس على قلوبهم فأمرهم جميعا بالصبر وانتظار أمر الله فيهم ليحكم بينهم وهو خير الحاكمين.
فإن في ذلك صلاح المجتمع، إما المؤمنون فلا يقعون في البأس من الحياة الآمنة والاضطراب والحيرة من جهة دينهم وإما الكفار فلا يقعون في ندامة الاقدام من غير رؤية ومفسدة المظلمة على جهالة فحكم الله خير فاصل بين الطائفتين فهو خير الحاكمين لا يساهل في حكم إذا حان حينه، ولا يجور في حكم إذا ما حكم فقوله: " فاصبروا " بالنسبة إلى الكفار أمر ارشادي، وبالنسبة إلى المؤمنين أمر مولوي أو ارشادي، وهو ارشاد الجميع إلى ما يصلح حالهم.
قوله تعالى: " قال الملا الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب " الآية. لم يسترشد الملا المستكبرون من قومه بما أرشدهم إليه من الصبر وانتظار الحكم الفصل في ذلك من الله سبحانه بل بادروه بتهديده وتهديد المؤمنين بإخراجهم من أرضهم إلا أن يرجعوا إلى ملتهم بالارتداد عن دين التوحيد.
وفي تأكيدهم القول " لنخرجنك " " ولتعودن " بالقسم ونون التأكيد دلالة على قطعهم العزم على ذلك، ولذا بادر عليه السلام بعد استماع هذا القول منهم إلى الاستفتاح من الله سبحانه.
قوله تعالى: " قال أ ولو كنا كارهين قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم " الآية. أجاب عليه السلام بكراهة العود في ملتهم بدليل ما بعده من الجمل ولازم ذلك اختيار الشق الآخر على تقدير الاضطرار إلى أحدهما كما أخبروه.
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»
الفهرست