تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٧٩
من العذاب.
قوله تعالى: " قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب " إلى آخر الآية.
الرجس والرجز هو الامر الذي إذا وقع على الشئ أوجب ابتعاده أو الابتعاد عنه، ولذا يطلق على القاذورة لان الانسان يتنفر ويبتعد عنه، وعلى العذاب لا المعذب - اسم مفعول - يبتعد عمن يعذبه أو من الناس الآمنين من العذاب.
أجابهم بأن إصرارهم على عبادة الأوثان بتقليد آبائهم أوجب أن يحق عليهم البعد عن الله بالرجس والغضب، ثم فرع عليه أن هددهم بما يستعجلون من العذاب، وأخبرهم بنزوله عليهم لا محالة، وكنى عن ذلك بأمرهم بالانتظار واخبارهم بأنه مثلهم في انتظار نزول العذاب فقال: " فانتظروا إني معكم من المنتظرين ".
وأما قوله: " أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان " فهو رد لما استندوا إليه في إلوهية آلهتهم وهو أنهم وجدوا آباءهم على عبادتها - وهم أكمل منهم وممن في طبقتهم كهود وأعقل - فيجب عليهم أن يقلدوهم.
ومحصله أنكم وآباءكم سواء في أنكم جميعا أتيتم بأشياء ليس لكم على ما ادعيتم من صفتها وهي الألوهية من سلطان وهو البرهان والحجة القاطعة فلا يبقى لها من الألوهية إلا الأسماء التي سميتموها بها إذ قلتم: إله الخصب وإله الحرب وإله البحر وإله البر، وليس لهذه الأسماء مصاديق إلا في أوهامكم، فهل تجادلونني في الأسماء، وللانسان أن يسمي كل ما شاء بما شاء إذا لم يعتبر تحقق المعنى في الخارج.
وقد تكرر في القرآن الاستدلال على بطلان الوثنية بهذا البيان: " أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان " وهو من ألطف البيان وأرقه، وأبلغ الحجة وأقطعها إذ لو لم يأت الانسان لما يدعيه من دعوى بحجة برهانية لم يبق لما يدعيه من النعت إلا التسمية والتعبير، ومن أبده الجهل أن يعتمد الانسان على مثل هذا النعت الموهوم.
وهذا البيان يطرد ويجري بالتحليل في جميع الموارد التي يثق فيها الانسان على غير الله سبحانه من الأسباب، ويعطيها من الاستقلال ما يوجب تعلق قلبه بها وطاعته لها وتقربه منها فإن الله سبحانه عد في موارد من كلامه طاعة غيره والركون إلى من سواه عبادة له قال: " أ لم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»
الفهرست