وقد أجاب عليه السلام عن نفسه وعن المؤمنين به من قومه وذكر أنه والمؤمنين به جميعا كارهون للعود إلى ملتهم فإن في ذلك افتراء للكذب على الله سبحانه بنسبة الشركاء إليه، وما يتبعها من الاحكام المفتراة في دين الوثنية فقوله: " قد افترينا على الله كذبا " الآية. بمنزلة التعليل لقوله: " أ ولو كنا كارهين ".
ومن أسخف الاستدلال الاحتجاج بقوله: " إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها " على أن شعيبا عليه السلام كان قبل نبوته مشركا وثنيا - حاشاه - وقد تقدم آنفا أنه يتكلم عن نفسه وعن المؤمنين به من قومه وقد كانوا كفارا مشركين قبل الايمان به فأنجاهم الله من ملة الشرك وهداهم بشعيب إلى التوحيد فقول: " شعيب نجانا الله " تكلم عن المجموع بنسبة وصف الجل إلى الكل، هذا لو كان المراد بالتنجية التنجية الظاهرية من الشرك الفعلي وأما لو أريد بها التنجية الحقيقية وهي الاخراج من كل ضلال محقق موجود أو مقدر مترقب كان شعيب - وهو لم يشرك بالله طرفة عين - وقومه - وهم كانوا مشركين قبل زمان إيمانهم بشعيب - جميعا ممن نجاهم الله من الشرك إذ لا يملك الانسان لنفسه الهالكة ضرا ولا نفعا وما أصابه من خير فهو من الله سبحانه.
وقوله: " وما يكون لنا إن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا " كالاضراب والترقي بالجواب القاطع كأنه قال: نحن كارهون العود إلى ملتكم لان فيه افتراء على الله بل أن ذلك مما لا يكون البتة، وذلك أن كراهة شئ إنما توجب تعسر التلبس به دون تعذره فأجاب عليه السلام ثانيا بتعذر العود بعد جوابه أولا بتعسره، وهو ما ذكرناه من الاضراب والترقي.
ولما كان قوله: " وما يكون لنا أن نعود فيها " في معنى أن يقال: " لن نعود إليها أبدا " والقطع في مثل هذه العزمات مما هو بعيد عن أدب النبوة فإنه في معنى: لن نعود على أي تقدير فرض حتى لو شاء الله، وهو من الجهل بمقامه تعالى، استثنى مشية الله سبحان فقال: " إلا إن يشاء الله ربنا " فإن الانسان كيفما كان جائز الخطأ فمن الجائز أن يخطئ بذنب فيعاقبه الله بسلب عنايته به فيطرده من دينه فيهلك على الضلال.
وفي الجمع بين الاسمين في قوله: " الله ربنا " إشارة إلى إن الله الذي يحكم ما يشاء هو الذي يدبر أمرنا وهو إله ورب، على ما يقتضيه دين التوحيد لا كما يعلمه دين