من غير توسيطها فافهم ذلك.
والبركة كثيرة الدور في لسان الدين فقد ورد في الكتاب العزيز ذكرها في آيات كثيرة بألفاظ مختلفة وكذا ورودها في السنة، وقد تكرر ذكر البركة أيضا في العهدين في موارد كثيرة يذكر فيها إعطاء الله سبحانه البركة للنبي الفلاني أو إعطاء الكهنة البركة لغيرهم وقد كان أخذ البركة في العهد القديم كالسنة الجارية.
وقد ظهر مما تقدم بطلان زعم المنكرين لوجود البركة كما نقلناه عن الراغب فيما تقدم من عبارته فقد زعموا أن عمل الأسباب الطبيعية في الأشياء لا يدع مجالا لسبب آخر يعمل فيه أو يبطل أثرها وقد ذهب عنهم أن تأثيره تعالى في الأشياء في طول سائر الا سباب لا في عرضها حتى يؤل الامر إلى تزاحم أو إبطال ونحوهما.
قوله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا إلى قوله - ما أنزل الله) عد الله سبحانه موارد ثلاثة من الظلم هي من أشد مراتبه التي لا يرتاب العقل العادي في شناعتها وفظاعتها، ولذا أوردها في سياق السؤال.
والغرض من ذلك الدعوة إلى النزول على حكم العقل السليم والاخذ بالنصفة وخفض الجناح لصريح الحق فكأنه يقول: قل لهم: يجب على وعليكم أن لا نستكبر عن الحق ولا نستعلي على الله تعالى بارتكاب ما هو من أشد الظلم وأشنعه وهو الظلم في جنب الله فكيف يصح لكم أن تفتروا على الله كذبا وتدعوا له شركاء تتخذونها شفعاء؟ وكيف يسوغ لي أن أدعى النبوة وأقول: أوحى إلى إن كنت لست بنبي يوحى إليه؟ وكيف يجوز لقائل أن يقول: سأنزل مثل ما أنزل الله، فيسخر بحكم الله ويستهزئ بآياته؟.
ونتيجة هذه الدعوة أن ينقادوا لحكم النبوة فإنهم إذا اجتنبوا الافتراء على الله بالشرك، وكف القائل (سأنزل مثل ما أنزل الله) عن مقاله، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يصر على الوحي بقيت نبوته بلا معارض.
وافتراء الكذب على الله سبحانه وهو أول المظالم المعدودة وإن كان أعم بالنسبة إلى دعوى الوحي إذا لم يوح إليه وهو ثاني المظالم المعدودة، ولذا قيل: إن ذكر الثاني بعد الأول من باب ذكر الخاص بعد العام اعتناء بشأن الوحي وإعظاما لامره، لكن التأمل في سياق الكلام ووجهه إلى المشركين يعطى أن المراد بالافتراء المذكور هو اتخاذ