الظالمين) قال المسلمون: كيف نصنع؟ إن كان كلما استهزأ المشركون بالقرآن قمنا وتركناهم فلا ندخل إذا المسجد الحرام ولا نطوف بالبيت الحرام فأنزل الله تعالى: (وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ) أمرهم بتذكيرهم ما استطاعوا.
أقول: والرواية - كما ترى - مبنية على أخذ قوله: (ذكرى) مفعولا مطلقا وإرجاع الضميرين في قوله: (لعلهم يتقون) إلى المشركين والتقدير: ولكن ذكروهم ذكرى لعلهم يتقون، ويبقى على الرواية كون السورة نازلة دفعة واحدة.
وفي الدر المنثور أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريح قال: كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وآله يحبون أن يسمعوا منه فإذا سمعوا استهزأوا فنزلت (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم) الآية قال: فجعلوا إذا استهزأوا قام فحذروا وقالوا: لا تستهزئوا فيقوم فذلك قوله: (لعلهم يتقون) أن يخوضوا فتقوم ونزل: (وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ) أن تقعد معهم ولكن لا تقعد ثم نسخ ذلك قوله بالمدينة: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم - إلى قوله - إنكم إذا مثلهم) نسخ قوله: (وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ) الآية.
أقول لو كانت آية مائدة: (وقد نزل عليكم) الآية وهى عين قوله: (وإذا رأيت الذين يخوضون) الآية معنى ناسخة لقوله: (وما على الذين يتقون) الآية فهو أعني قوله: (وما على الذين يتقون) الآية ناسخ لقوله: (وإذا رأيت الذين يخوضون) الآية وهو ظاهر، ويأباه نزول السورة دفعة.
على أن الذي ذكره من المعنى لا يوجب تنافيا بين الآيات الثلاث يؤدى إلى النسخ حتى تكون الثانية ناسخة للأولى ومنسوخة بالثالثة وهو ظاهر.
ونظير الرواية ما رواه أيضا في الدر المنثور عن النحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله تعالى: (وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ) قال: هذه مكية نسخت بالمدينة بقوله: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها) الآية.
وفي تفسير البرهان في قوله تعالى: (قوله الحق وله الملك) الآية عن ابن بابويه بإسناده عن ثعلبة بن ميمون عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز