تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٧ - الصفحة ١٥٦
خالية عن التفاصيل الواردة في الروايات والآثار على اختلافها الفاحش، غير مشوبة بالمشاجرات التي وقعت للباحثين من أهل التفسير على خلطهم تفسير الآيات بمضامين الروايات ومحتويات التواريخ وما اشتملت عليه التوراة وأخرى تشايعها من الإسرائيليات إلى غير ذلك، وبالجملة لحن كلامه عليه السلام في ما حكى عنه في هذه الآيات يشعر إشعارا واضحا بأنه كلام صادر عن ذهن صاف غير مملوء بزخارف الأفكار والأوهام المتنوعة أفرغته في قالب اللفظ فطرته الصافية بما عندها من أوائل التعقل والتفكير ولطائف الشعور والاحساس.
فالواقف في موقف النصفة من التدبر في هذه الآيات لا يشك أن كلامه المحكى عنه مع قومه أشبه شئ بكلام إنسان أولى فرضى عاش في سرب من أسراب الأرض أو كهف من كهوف الجبال لم يعاشر إلا بعض من يقوم بواجب غذائه ولباسه لم يشاهد سماء بزواهر نجومها و كواكبها، والبازغ من قمرها وشمسها، ولم يمكث في مجتمع إنساني بأفراده الجمة وبلاده الوسيعة، واختلاف أفكاره، وتشتت مقاصده ومأربه، وأنواع أديانه ومذاهبه، ثم ساقه الاتفاق أن دخل في واحد من المجتمعات العظيمة، وشاهد أمورا عجيبة لا عهد له بها من أجرام سماوية، وأقطار أرضية، وجماعات من الناس عاكفين على مشاغلهم كادحين نحو مأربهم، ومقاصدهم لا يصرفهم عن ذلك صارف بين متحرك وساكن، وعامل ومعمول له، وخادم، ومخدوم، وآمر ومأمور، ورئيس ومرؤوس منكب على الكسب والعمل، ومتزهد متعبد يعبد الاله.
فبهته عجيب ما يراه واستغرقه غريب ما يشاهده فصار يسأل من أنس به عن شأن الواحد بعد الواحد مما اجتذبت إليه نفسه، ووقع عليه بصره، وكثر منه إعجابه نظير ما نراه من حال الصبى إذا نظر إلى جو السماء الوسيعة بمصابيحها المضيئة وزواهرها اللامعة، وعقود كواكبها المنثورة في حالة مطمئنة نراه يسأل أمة: ما هذه التي أشاهدها وأمتلئ من حبها والاعجاب بها؟ من الذي علقها هناك من الذي نورها؟ من الذي صنعها؟.
غير أن الذي لا نرتاب فيه أن هذا الانسان إنما يبدأ في سؤاله من حقائق الأشياء التي يشاهدها ويتعجب منها بالذي يقرب مما كان يعرفها في حال التوحش والانعزال عن المجتمع وإنما يسأل عن المقاصد والغايات التي لا يقع عليها الحواس.
وذلك لان الانسان إنما يستعلم حال المجهولات بما عنده من مواد العلم الأولية فلا ينتقل من المجهولات إلا إلى ما يناسب بعض ما عنده من المعلومات، وهذا أمر ظاهر
(١٥٦)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الأنعام 5
2 (37 - 55) كلام في المجتمعات الحيوانية. (بحث قرآني) 73
3 (56 - 73) كلام في معنى الحكم وأنه لله وحده (بحث قرآني) 115
4 (56 - 73) كلام في معنى حقيقة فعله وحكمه تعالى (بحث قرآني) 119
5 (76 - 83) قصة إبراهيم عليه السلام وشخصيته في أبحاث. 215
6 (76 - 83) 1 - قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن. (بحث قرآني) 215
7 (76 - 83) 2 - منزلته عند الله تبارك وتعالى وموقفه العبودي. (بحث قرآني) 215
8 (76 - 83) 3 - أثره المبارك في المجتمع البشري (بحث علمي) 218
9 (76 - 83) 4 - ما تقصه التوراة فيه. (بحث تاريخي) 219
10 (76 - 83) 5 - تطبيق ما في التوراة من قصته من ما في القرآن. (بحث علمي) 225
11 (76 - 83) 6 - الجواب عما استشكل على القرآن على أمره (بحث علمي) 234
12 (84 - 90) كلام في معنى الكتاب في القرآن. (بحث قرآني) 252
13 (84 - 90) كلام في معنى الحكم في القرآن. (بحث قرآني) 254
14 (84 - 90) في أن الاسلام بعد أولاد البنات أولادا وذرية. (بحث قرآني وروائي) 261
15 (84 - 90) كلام في معنى البركة في القرآن. (بحث قرآني) 280
16 (91 - 105) كلام في عموم الخلقة وانبساطها على كل شئ (بحث قرآني) 292
17 (122 - 127) كلام في معنى الهداية الإلهية. (بحث قرآني) 346