وثالثا: أن قوله تعالى: (قل لست عليكم بوكيل) مسوق سوق الكناية أي أعرض عنهم وقل: إن أمركم غير مفوض إلى ولا محمول على حتى أمنعكم من هذا التكذيب نصيحة لكم، وإنما الذي إلى بحسب مقامي أن أنذركم عذابا شديدا هو كمين لكم.
ومن هنا يظهر أيضا: أن قوله: (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) من مقول القول وتتمة قول النبي صلى الله عليه وآله لقومه كما يؤيده الخطاب في قوله: (وسوف تعلمون) فإن القوم إنما هم في موقف الخطاب بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله لا بالنسبة إليه تعالى.
وقوله: (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) تصريح بالتهديد وإنباء عن الوقوع الحتمي وقد ظهر مما تقدم وجه صحة خطاب المشركين بما سيبتلى به الأمة الاسلامية من تفرق الكلمة ونزول الشدة فإن الاعراق تنتهى إليهم وليس الناس إلا أمة واحدة يؤخذ آخرهم بما اكتسبه أولهم ويعود إلى أولهم ما يظهر في آخرهم علموا ذلك أو جهلوا، أبصروا من أنفسهم ذلك أو عموا، قال تعالى: (بل هم في شك يلعبون، فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون) (الدخان: 15).
تدبر في الآيات كيف أخذ آخرهم بما أجرمه أولهم أو هي في عداد ما تقدم نقله من آيات سورة يونس والأنبياء والروم، وفي القرآن الشريف شئ كثير من الآيات المنبئة عما سيوافي الأمة من وخيم العاقبة ووبال السيئة ثم إدراك العناية الإلهية ومن أسوء التقصير إهمال الباحثين منا أمر البحث في هذه الآيات الكريمة على كثرتها وأهميتها وشدة مساسها بحال الأمة وسعادة جدها في دنياها وآخرتها.
قوله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) ذكر الراغب في المفردات أن الخوض هو الشروع في الماء والمرور فيه، ويستعار في الأمور، وأكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع فيه، انتهى. وهو الدخول في باطل الحديث والتوغل فيه كذكر الآيات الحقة والاستهزاء بها والاطالة في ذلك.
والمراد بالاعراض عدم مشاركتهم فيما يخوضون فيه كالقيام عنهم والخروج من بينهم أو ما يشابه ذلك مما يتحقق به عدم المشاركة، وتقييد النهى بقوله: (حتى يخوضوا في