تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٧ - الصفحة ١٣٤
وفي قوله: (لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين) إشارة إلى أن الانسان يضيف في هذه الحالة التي يدعو لكشفها إلى دعائه عهدا يقدمه إلى ربه ووعدا يعده به أن لو كشف الله عنه ليكونن من الشاكرين ويرجع عن سابق كفره.
وأصل هذه العدة مأخوذ من العادة الجارية بين أفراد الانسان بعضهم مع بعض فإن الواحد منا إذا أعيته المذاهب وأحاطت به البلية من مصيبة قاصمة أو فقر أو عدو واستغاث لكشف ما به من كرب إلى أحد الأقوياء القادرين على كشفه بزعمه وعده بما يطيب به نفسه ويقوى باعث عزيمته وفتوته، وذلك بثناء جميل أو مال أو طاعة أو وفاء كل ذلك لما أن الأعمال الاجتماعية التي تدور بيننا كلها معاملات قائمة بطرفين يعطى فيها الانسان شيئا ويأخذ شيئا لان الحاجة محيطة بالانسان ليس له أن يعمل عملا أو يؤثر أثرا إلا لنفع عائد إلى نفسه، ومثله سائر أجزاء الكون.
لكن الله سبحانه أكرم ساحة أن تمسه حاجة أو يطرأ عليه منقصة لا يفعل فعلا إلا ليعود نفعه إلى غيره من خليقته فوجه التوحيد في مقابلة الانسان له بوعد الشكر والطاعة في دعائه الفطري هو أن الانسان إذا نزلت به النازلة، وانقطعت عنه الأسباب وغابت عن مسرح نظره وسائل الخلاص وجد أن الله سبحانه هو السبب الوحيد الذي يقدر على كشف ما به من غم، وأنه الذي يدبر أمره منذ خلقه ويدبر أمر كل سبب فوجد نفسه ظالما مفرطا في جنب الله سبحانه لا يستحق كشف الغم ورفع الحاجة من قبله تعالى لما كسبت يداه من السيئات، وحملت نفسه من وبال الخطيئة فعندئذ يعد ربه الشكر والطاعة ليصحح ذلك استحقاقه لاستجابة دعائه وكشف ضره.
ولذلك نجده أنه إذا نجى مما نزل به النائبة ذهب لوجهه ناسيا لما عهد به ربه ووعده من الشكر كما قال تعالى في ذيل الآية التالية: (ثم أنتم تشركون).
قوله تعالى: (قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون) قال الراغب في مفرداته: الكرب الغم الشديد، قال تعالى: (ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) والكربة كالغمة، وأصل ذلك من كرب الأرض بسكون الراء وهو قلبها بالحفر فالغم يثير النفس إثارة ذلك وقيل في مثل: الكراب على البقر وليس ذلك من قولهم: الكلاب على البقر، في شئ، ويجوز أن يكون الكرب من كربت الشمس إذا دنت للمغيب، وقولهم: إناء كربان أي قريب نحو قربان أي قريب من المل ء، أو من الكرب (بفتحتين) وهو عقد غليظ في رشا الدلو، وقد يوصف الغم بأنه عقد على القلب يقال: أكربت الدلو، انتهى.
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الأنعام 5
2 (37 - 55) كلام في المجتمعات الحيوانية. (بحث قرآني) 73
3 (56 - 73) كلام في معنى الحكم وأنه لله وحده (بحث قرآني) 115
4 (56 - 73) كلام في معنى حقيقة فعله وحكمه تعالى (بحث قرآني) 119
5 (76 - 83) قصة إبراهيم عليه السلام وشخصيته في أبحاث. 215
6 (76 - 83) 1 - قصة إبراهيم عليه السلام في القرآن. (بحث قرآني) 215
7 (76 - 83) 2 - منزلته عند الله تبارك وتعالى وموقفه العبودي. (بحث قرآني) 215
8 (76 - 83) 3 - أثره المبارك في المجتمع البشري (بحث علمي) 218
9 (76 - 83) 4 - ما تقصه التوراة فيه. (بحث تاريخي) 219
10 (76 - 83) 5 - تطبيق ما في التوراة من قصته من ما في القرآن. (بحث علمي) 225
11 (76 - 83) 6 - الجواب عما استشكل على القرآن على أمره (بحث علمي) 234
12 (84 - 90) كلام في معنى الكتاب في القرآن. (بحث قرآني) 252
13 (84 - 90) كلام في معنى الحكم في القرآن. (بحث قرآني) 254
14 (84 - 90) في أن الاسلام بعد أولاد البنات أولادا وذرية. (بحث قرآني وروائي) 261
15 (84 - 90) كلام في معنى البركة في القرآن. (بحث قرآني) 280
16 (91 - 105) كلام في عموم الخلقة وانبساطها على كل شئ (بحث قرآني) 292
17 (122 - 127) كلام في معنى الهداية الإلهية. (بحث قرآني) 346