وتحزب يستتبع سيفا وسوطا من بعضكم على بعض، ثم خوطب النبي صلى الله عليه وآله فقيل: إن قومك كذبوا بذلك فليستعدوا لعذاب بئيس أو بأس شديد يذوقونه.
ومن هنا يظهر أولا: أن الضمير في قوله: (وكذب به) راجع إلى العذاب كما نسبه الآلوسي إلى غالب المفسرين، وربما قيل: إنه عائد إلى تصريف الآيات أو إلى القرآن وهو بعيد، وليس من البعيد أن يرجع إلى النبأ باعتبار ما تشتمل عليه الآية السابقة.
وثانيا: أن هذا الخبر أعني قوله: (وكذب به قومك وهو الحق) بحسب ما يعطيه المقام في معنى ذكر أول خبر يمهد الطريق لنبأ موعود كأنه قيل: يجب على أمتك أن يجتمعوا على الايمان بالله وآياته ويكونوا على تحرز وتحذر من أن يتسرب إليهم الكفر بالله وآياته ويدب فيهم اختلاف حتى لا ينزل عليهم عذاب الله سبحانه ثم قيل: إن قومك من بين جميع أمتك ومن عاصرك أو جاء من بعدك من أهل الدنيا بادروا إلى نقض ما كان يجب عليهم أن يبرموه وكذبوا النبأ فانثلم بذلك الامر فسوف يعلمون ذلك أن المكذبين للنبي صلى الله عليه وآله أو للقرآن أو لهذا العذاب ليسوا هم الاعراب خاصة وهم قومه صلى الله عليه وآله بل كذبته اليهود وأمم من غيرهم في زمانه وبعده وكان تكذيبهم واختلافهم جميعا ذا أثر مثبت في ما هددوا به من العذاب فتخصيص تكذيب قومه بالذكر والحال هذه يفيد ما ذكرناه.
والبحث التحليلي عن نفسية المجتمع الاسلامي يؤيد هذا الذي استفدناه من الآية فإن ما ابتليت به الأمة الاسلامية اليوم من الانحطاط في نفسيتهم والوهن في قوتهم والتشتت في كلمتهم ينتهى بحسب التحليل إلى ما نشأت من الاختلافات والمشاجرات في الصدر الأول بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله ثم يصعد ذلك إلى حوادث أول الهجرة وقبل الهجرة مما لقيه النبي صلى الله عليه وآله من قومه، وما جبهوه به من التكذيب وتسفيه الرأي.
وهؤلاء وإن تجمعوا حول راية الدعوة الاسلامية واستظلوا بظلها بعد ما ظهرت كلمة الحق وأنارت مشعلته لكن المجتمع الطيب الديني لم يضف من خبث النفاق، وقد نطقت آيات جمة من القرآن الكريم بذلك، وكان أهل النفاق لا يستهان بعددهم ومن المحال أن يسلم بنيه المجتمع من سئ أثرهم في نفسية أجزائه ولم يقدر على هضمهم هضما تاما يحيلهم إلى أعضاء صالحة في المجتمع مدى حياة النبي صلى الله عليه وآله، ولم يمكث وقودهم دون أن اشتعل ثم زاد اشتعالا ولم يزل، والجميع يرجع إلى ما بدا منه، وكل الصيد في جوف الفراء.