ثم قال: وذكر به أي بالقرآن حذرا من أن تبسل أي تمنع نفس بسبب ما كسبت من السيئات أو تسلم نفس مع ما كسبت للمؤاخذة والعقاب، وتلك نفس ليس لها من دون الله ولى ولا شفيع وإن تعدل كل عدل وتفد كل فدية لا يؤخذ منها لان اليوم يوم الجزاء بالاعمال لا يوم البيع والشرى أولئك الذين أبسلوا ومنعوا من ثواب الله أو أسلموا لعقابه لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون.
قوله تعالى: (قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا) احتجاج على المشركين بنحو الاستفهام الانكاري، وإنما ذكر من أوصاف شركائهم كونها لا تنفع و لا تضر لان اتخاذ الالهة - كما تقدم - كان مبنيا على أحد الأساسين: الرجاء و الخوف وإذ كانت الشركاء لا تنفع ولا تضر فلا موجب لدعائها وعبادتها والتقرب منها.
قوله تعالى: (ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله - إلى قوله - ائتنا) الاستهواء طلب الهوى والسقوط، والرد على الأعقاب كناية عن الضلال وترك الهدى فإن لازم الهداية الحقة الوقوع في مستقيم الصراط والشروع في السير فيه فالارتداد على الأعقاب ترك السير في الصراط والعود إلى ما خلف من المسير وهو الضلال، ولذا قال: ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله فقيد الرد بكونه بعد الهداية الإلهية.
ومن عجيب الاستدلال احتجاج بعض بهذه الآية أعني قوله: (نرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله الآية وما يجرى مجراها من الآيات كقول شعيب عليه السلام على ما حكاه الله تعالى في قصته بقوله: (قال الملا الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين، قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملكتم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا) (الأعراف: 89).
فقد احتجوا بها على أن الأنبياء ع كانوا قبل البعثة والتلبس بلباس النبوة على الكفر لما في لفظ الرد على الأعقاب بعد إذ هدى الله، والعودة في ملة الشرك بعد إذ نجاهم الله منها من الدلالة على كونهم منتحلين بها واقعين فيها قبل النجاة وهو احتجاج فاسد فإن ذلك تلكم منهم بلسان المجتمع الديني الذي كانت أفراده على الشرك حتى هداهم الله بواسطة أنبيائه ولسنا نعنى أن غلبة الافراد الذين كانوا على الشرك في أول عهدهم سوغ