نفس الجماعة، ومن هنا يظهر أن قوله: (ثم ردوا) ليس من قبيل الالتفات من الخطاب السابق إلى الغيبة.
قوله تعالى: (ألا له الحكم) الخ، لما بين تعالى اختصاصه بمفاتح الغيب وعلمه بالكتاب المبين الذي فيه كل شئ، وتدبيره لأمر خلقه من لدن وجدوا إلى أن يرجعوا إليه تبين أن الحكم إليه لا إلى غيره، وهو الذي ذكره فيما مر من قوله: (إن الحكم إلا لله) أعلن نتيجة بيانه فقال (ألا له الحكم) ليكون منبها لهم مما غفلوا عنه.
وكذلك قوله: (وهو أسرع الحاسبين) نتيجة أخرى لسابق البيان فإنه تبين به أنه تعالى لا يؤخر حساب أعمال الناس عن الوقت الصالح، له وإنما يتأخر ما يتأخر ليدرك الاجل الذي أجل له.
قوله تعالى: (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه) إلى آخر الآية كأن المراد بالتنجية من ظلمات البر والبحر هو التخليص من الشدائد التي يبتلى بها الانسان في خلال الاسفار إذا ضرب في الأرض أو ركب البحر كالبرد الشديد والأمطار والثلوج وقطاع الطريق والطوفان ونحو ذلك، وأشق ما يكون ذلك على الانسان في الظلمات من ليل أو سحاب أو ريح تثير عجاج الأرض فيزيد في اضطراب الانسان وحيرته وضلالة طريق الاحتيال لدفعه، ولذلك علقت التنجية على الظلمات، وكان أصل المعنى الاستفهام عمن ينجى الانسان من الشدائد التي يبتلى بها في أسفاره في البر والبحر فأضيفت الشدائد إلى البر والبحر بعناية الظرفية ثم أضيفت إلى ظلمات البر والبحر لان للظلمات تأثيرا تاما في تشديد هذه المكاره، ثم حذفت الشدائد وأقيمت الظلمات مقامها فعلقت التنجية عليها فقيل: ينجيكم من ظلمات البر والبحر.
وإنما خصت الظلمات بالذكر وإن كان المنجي من كل مكروه وغم هو الله سبحانه كما يذكره في الآية التالية لان أسفار البر والبحر معروف عند الانسان بالعناء والوعثاء والكريهة.
والتضرع إظهار الضراعة وهو الذل والخضوع على ما ذكره الراغب، ولذلك قوبل بالخفية وهو الخفاء والاستتار فالتضرع والخفية في الدعاء هما الاعلان والاسرار فيه، والانسان إذا نزلت به المصيبة يبتدئ فيدعو للنجاة بالاسرار والمناجاة ثم إذا اشتدت به ولاح بعض آثار اليأس والانقطاع من الأسباب لا يبالي بمن حوله ممن يطلع على ذلته واستكانته فيدعو بالتضرع والمناداة ففي ذكر التضرع والخفية إشارة إلى أنه تعالى هو المنجي من مصائب البر والبحر شديدتها ويسيرتها.