فليس يقبل التحول والتغير فليس يقبل نسخا ولا إبطالا ولا غير ذلك، ولازم ذلك أن الشريعة الاسلامية مستمرة إلى يوم القيامة.
قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به) الإذاعة هي النشر والاشاعة، وفي الآية نوع ذم وتعيير لهم في شأن هذه الإذاعة، وفي قوله في ذيل الآية (ولولا فضل الله) (إلخ) دلالة على أن المؤمنين كانوا على خطر الضلال من جهة هذه الإذاعة، وليس إلا خطر مخالفة الرسول فإن الكلام في هذه الآيات موضوع في ذلك ويؤيد ذلك ما في الآية التالية من أمر الرسول بالقتال ولو بقى وحده بلا ناصر.
ويظهر به أن الامر الذي جاءهم من الامن أو الخوف كان بعض الأراجيف التي كانت تأتى بها أيدي الكفار ورسلهم المبعوثون لايجاد النفاق والخلاف بين المؤمنين فكان الضعفاء من المؤمنين يذيعونه من غير تدبر وتبصر فيوجب ذلك وهنا في عزيمة المؤمنين، غير أن الله سبحانه وقاهم من اتباع هؤلاء الشياطين الجائين بتلك الأخبار لاخزاء المؤمنين.
فتنطبق الآية على قصة بدر الصغرى، وقد تقدم الكلام فيها في سورة آل عمران، والآيات ههنا تشابه الآيات هناك مضمونا كما يظهر للمتدبر فيها، قال تعالى في سورة آل عمران: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل - إلى قوله - إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) (آل عمران - 175).
الآيات كما ترى تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو الناس بعد ما أصابهم القرح - وهو محنة أحد - إلى الخروج إلى الكفار، وأن أناسا كانوا يخزلون الناس ويخذلونهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويخوفونهم جمع المشركين.
ثم تذكر أن ذلك كله تخويفات من الشيطان يتكلم بها من أفواه أوليائه، وتعزم على المؤمنين أن لا يخافوهم ويخافوا الله إن كانوا مؤمنين.
والمتدبر فيها وفي الآيات المبحوث عنها أعني قوله (وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به) (الآية) لا يرتاب في أن الله سبحانه في هذه الآية يذكر قصة بدر - الصغرى ويعدها في جملة ما يعد من الخلال التي يلوم هؤلاء الضعفاء عليها كقوله (فلما كتب عليهم القتال) (الآية) وقوله (وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال) (الآية) وقوله (وإن تصبهم حسنة