تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٥ - الصفحة ١٣٦
مجتمعهم بما هو مجتمع اليهود أو مجتمع أهل الكتاب إلى يوم القيامة.
بل ظاهر ذيل قوله " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم " حيث إن ذيله يدل على أنهم باقون بعد توفى عيسى عليه السلام.
لكن الانصاف أن الآيات لا تنافى ما مر فإن قوله " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة " لا يدل على بقائهم إلى يوم القيامة على نعت أنهم أهل الكتاب.
وكذا قوله تعالى: " بل طبع الله عليها بكفرهم " (الآية) إنما يدل على أن الايمان لا يستوعبهم جميعا، ولو آمنوا في حين من الأحيان شمل الايمان منهم قليلا من كثير. على أن قوله " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " لو دل على إيمانهم به قبل موته فإنما يدل على أصل الايمان، وأما كونه إيمانا مقبولا غير اضطراري فلا دلالة له على ذلك.
وكذا قوله " فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم " (الآية) مرجع الضمير فيه إنما هو الناس دون أهل الكتاب أو النصارى بدليل قوله تعالى في صدر الكلام: " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " (الآية) (المائدة: 116) ويدل على ذلك أيضا أنه عليه السلام من أولى العزم من الرسل مبعوث إلى الناس كافة، وشهادته على أعمالهم تعم بني إسرائيل والمؤمنين به وغيرهم.
وبالجملة، الذي يفيده التدبر في سياق الآيات وما ينضم إليها من الآيات المربوطة بها هو أن عيسى عليه السلام لم يتوف بقتل أو صلب ولا بالموت حتف الانف على نحو ما نعرفه من مصداقه - كما تقدمت الإشارة إليه - وقد تكلمنا بما تيسر لنا من الكلام في قوله تعالى " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلى " (آل عمران: 55) في الجزء الثالث من هذا الكتاب.
ومن غريب الكلام في هذا الباب ما ذكره الزمخشري في الكشاف: أنه يجوز أن يراد أنه لا يبقى أحد من جميع أهل الكتاب إلا ليؤمنن به على أن الله يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان، ويعلمهم نزوله، وما أنزل له، ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم، وهذا، قول بالرجعة.
وفي معنى الآية بعض وجوه رديئة أخرى:
منها: ما يظهر من الزجاج أن ضمير قوله " قبل موته " يرجع إلى الكتابي وأن معنى قوله " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " أن جميعهم يقولون: إن عيسى
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة النساء 5
2 (77 - 80) كلام في استناد الحسنات والسيئات إليه تعالى. (بحث قرآني) 9
3 (85 - 91) في معنى التحية. (بحث قرآني) 31
4 (95 - 100) في المستضعف. (بحث قرآني) 51
5 (105 - 126) في معنى العصمة. (بحث قرآني) 78
6 سورة المائدة 156
7 (1 - 3) في معنى العقد. (بحث قرآني) 158
8 بحث علمي في فصول ثلاثة: (1 - 3) 1 - العقائد في اكل اللحم. (بحث علمي) 183
9 (1 - 3) 2 - كيف امر بقتل الحيوان والرحمة تأباه؟ (بحث علمي) 184
10 (1 - 3) 3 - لماذا بني الاسلام على التذكية؟ (بحث علمي) 187
11 (15 - 19) كلام في طريق التفكر الذي يهدي إليه القرآن (بحث مختلط قرآني وروائي) 254
12 (15 - 19) في تاريخ التفكر الاسلامي اجمالا. (بحث تاريخي) 271
13 (27 - 32) كلام في معنى الاحساس والتفكير. (بحث قرآني) 308
14 (27 - 32) في تطبيق قصة ابني آدم على ما في التوراة. (بحث علمي) 323
15 (41 - 50) كلام في معنى الشريعة والفرق بينها وبين الدين والملة في عرف القرآن. (بحث قرآني) 350
16 (51 - 54) كلام في معنى مرض القلب. (بحث قرآني) 377
17 (51 - 54) كلام في كليات حوادث آخر الزمان. (بحث قرآني وروائي) 390