مجتمعهم بما هو مجتمع اليهود أو مجتمع أهل الكتاب إلى يوم القيامة.
بل ظاهر ذيل قوله " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم " حيث إن ذيله يدل على أنهم باقون بعد توفى عيسى عليه السلام.
لكن الانصاف أن الآيات لا تنافى ما مر فإن قوله " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة " لا يدل على بقائهم إلى يوم القيامة على نعت أنهم أهل الكتاب.
وكذا قوله تعالى: " بل طبع الله عليها بكفرهم " (الآية) إنما يدل على أن الايمان لا يستوعبهم جميعا، ولو آمنوا في حين من الأحيان شمل الايمان منهم قليلا من كثير. على أن قوله " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " لو دل على إيمانهم به قبل موته فإنما يدل على أصل الايمان، وأما كونه إيمانا مقبولا غير اضطراري فلا دلالة له على ذلك.
وكذا قوله " فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم " (الآية) مرجع الضمير فيه إنما هو الناس دون أهل الكتاب أو النصارى بدليل قوله تعالى في صدر الكلام: " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " (الآية) (المائدة: 116) ويدل على ذلك أيضا أنه عليه السلام من أولى العزم من الرسل مبعوث إلى الناس كافة، وشهادته على أعمالهم تعم بني إسرائيل والمؤمنين به وغيرهم.
وبالجملة، الذي يفيده التدبر في سياق الآيات وما ينضم إليها من الآيات المربوطة بها هو أن عيسى عليه السلام لم يتوف بقتل أو صلب ولا بالموت حتف الانف على نحو ما نعرفه من مصداقه - كما تقدمت الإشارة إليه - وقد تكلمنا بما تيسر لنا من الكلام في قوله تعالى " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلى " (آل عمران: 55) في الجزء الثالث من هذا الكتاب.
ومن غريب الكلام في هذا الباب ما ذكره الزمخشري في الكشاف: أنه يجوز أن يراد أنه لا يبقى أحد من جميع أهل الكتاب إلا ليؤمنن به على أن الله يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان، ويعلمهم نزوله، وما أنزل له، ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم، وهذا، قول بالرجعة.
وفي معنى الآية بعض وجوه رديئة أخرى:
منها: ما يظهر من الزجاج أن ضمير قوله " قبل موته " يرجع إلى الكتابي وأن معنى قوله " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " أن جميعهم يقولون: إن عيسى