بيان قوله تعالى: " وآتينا داود زبورا " قيل إنه بمعنى المكتوب من قولهم: زبره أي كتبه فالزبور بمعنى المزبور.
قوله تعالى: " رسلا مبشرين ومنذرين " أحوال ثلاثة أو الأول حال والأخيران وصفان له. وقد تقدم استيفاء البحث عن معنى إرسال الرسل وتمام الحجة من الله على الناس، وأن العقل لا يغنى وحده عن بعثة الأنبياء بالشرائع الإلهية في الكلام على قوله تعالى: " كان الناس أمة واحدة " (سورة البقرة: 213) في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
قوله تعالى: " وكان الله عزيزا حكيما " وإذا كانت له العزة المطلقة والحكمة المطلقة استحال أن يغلبه أحد بحجة بل له الحجة البالغة، قال تعالى: " قل فلله الحجة البالغة " (الانعام: 149).
قوله تعالى: " لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون "، استدراك آخر في معنى الاستثناء المنقطع من الرد المتعلق بسؤالهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنزيل كتاب إليهم من السماء، فإن الذي ذكر الله تعالى في رد سؤالهم بقوله " فقد سألوا موسى أكبر من ذلك " (إلى آخر الآيات) لازم معناه أن سؤالهم مردود إليهم، لان ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوحي من ربه لا يغاير نوعا ما جاء به سائر النبيين من الوحي، فمن ادعى أنه مؤمن بما جاؤوا به فعليه أن يؤمن بما جاء به من غير فرق.
ثم استدرك عنه بأن الله مع ذلك يشهد بما أنزل على نبيه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا.
ومتن شهادته قوله " أنزله بعلمه " فإن مجرد النزول لا يكفي في المدعى، لان من أقسام النزول النزول بوحي من الشياطين، بأن يفسد الشيطان أمر الهداية الإلهية فيضع سبيلا باطلا مكان سبيل الله الحق، أو يخلط فيدخل شيئا من الباطل في الوحي الإلهي الحق فيختلط الامر، كما يشير إلى نفيه بقوله: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شئ عددا " (الجن: 28) وقال تعالى: " وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم " (الانعام: 121).
وبالجملة فالشهادة على مجرد النزول أو الانزال لا يخرج الدعوى عن حال الابهام،