أن تعدلوا ".
وإنما اعتبر خوف النشوز والاعراض دون نفس تحققهما لان الصلح يتحقق موضوعه من حين تحقق العلائم والآثار المعقبة للخوف، والسياق يدل على أن المراد بالصلح هو الصلح بغض المرأة عن بعض حقوقها في الزوجية أو جميعها لجلب الانس والألفة والموافقة، والتحفظ عن وقوع المفارقة، والصلح خير.
وقوله " وأحضرت الأنفس الشح " الشح هو البخل، معناه: أن الشح من الغرائز النفسانية التي جبلها الله عليها لتحفظ به منافعها، وتصونها عن الضيعة فما لكل نفس من الشح هو حاضر عندها، فالمرأة تبخل بمالها من الحقوق في الزوجية كالكسوة والنفقة والفراش والوقاع، والرجل يبخل بالموافقة والميل إذا أحب المفارقة، وكره المعاشرة، ولا جناح عليهما حينئذ ان يصلحا ما بينهما باغماض أحدهما أو كليهما عن بعض حقوقه.
ثم قال تعالى: " وان تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا " وهو موعظة للرجال ان لا يتعدوا طريق الاحسان والتقوى وليتذكروا ان الله خبير بما يعملونه، ولا يحيفوا في المعاشرة، ولا يكرهوهن على الغاء حقوقهن الحقة وان كان لهن ذلك.
قوله تعالى: " ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " بيان الحكم العدل بين النساء الذي شرع لهن على الرجال في قوله تعالى في أول السورة " وان خفتم ان لا تعدلوا فواحدة " (النساء - 3) وكذا يومى إليه قوله في الآية السابقة " وان تحسنوا وتتقوا " (الخ) فإنه لا يخلو من شوب تهديد، وهو يوجب الحيرة في تشخيص حقيقة العدل بينهن، والعدل هو الوسط بين الافراط والتفريط، ومن الصعب المستصعب تشخيصه، وخاصة من حيث تعلق القلوب تعلق الحب بهن فإن الحب القلبي مما لا يتطرق إليه الاختيار دائما.
فبين تعالى أن العدل بين النساء بحقيقة معناه، وهو اتخاذ حاق الوسط حقيقة مما لا يستطاع للانسان ولو حرص عليه، وانما الذي يجب على الرجل ان لا يميل كل الميل إلى أحد الطرفين وخاصة طرف التفريط فيذر المرأة كالمعلقة لا هي ذات زوج فتستفيد من زوجها، ولا هي أرملة فتتزوج أو تذهب لشأنها.
فالواجب على الرجل من العدل بين النساء أن يسوى بينهن عملا بإيتائهن حقوقهن