والدين يحرفون الكلم عن مواضعه ويستغشون بتلبيس الامر على الناس والتفرقة بين النبيين وإنكار آيات نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونفى أن يكون نبي من الأنبياء كموسى وعيسى عليهما السلام يأمرهم باتخاذ نفسه أو غيره من النبيين والملائكة أربابا على ما هو صريح قول النصارى وظاهر قول اليهود.
شدد النكير عليهم في ذلك بأنه كيف يتأتى ذلك وقد أخذ الله الميثاق من النبيين أن يؤمنوا بكل نبي يأتيهم ممن تقدمهم أو تأخر عنهم وينصروه وذلك بتصديق كل منهم لمن تقدم عليه من الأنبياء وتبشيره بمن تأخر عنه كتصديق عيسى عليه السلام لموسى وشريعته وتبشيره بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وكذا أخذه تعالى الميثاق منهم أن يأخذوا العهد على ذلك من أممهم وأشهدهم عليهم وبين أن هذا هو الاسلام الذي شمل حكمه من في السماوات والأرض.
ثم أمر نبيه أن يجري على هذا الميثاق جري قبول وطاعة فيؤمن بالله وبجميع ما أنزله على أنبيائه من غير تفرقة بينهم وأن يسلم لله سبحانه وأن يأتي بذلك عن نفسه وعن أمته وهو معنى أخذ الميثاق منه بلا واسطة ومن أمته بواسطته كما سيجئ بيانه.
قوله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه الآية تنبئ عن ميثاق مأخوذ وقد أخذ الله هذا الميثاق للنبيين كما يدل عليه قوله تعالى ثم جاءكم رسول الخ كما أنه تعالى أخذه من النبيين على ما يدل عليه قوله أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري الخ وقوله بعد قل آمنا بالله إلى آخر الآية فالميثاق ميثاق مأخوذ للنبيين ومأخوذ منهم وإن كان مأخوذا من غيرهم أيضا بواسطتهم.
وعلى هذا فمن الجائز أن يراد بقوله تعالى ميثاق النبيين الميثاق المأخوذ منهم أو المأخوذ لهم والميثاق واحد وبعبارة أخرى يجوز أن يراد بالنبيين المأخوذ لهم الميثاق والمأخوذ منهم الميثاق إلا أن سياق قوله تعالى ما كان لبشر أن يؤتيه الله إلى آخر الآيتين في اتصاله بهذه الآية يؤيد كون المراد بالنبيين هم الذين أخذ منهم الميثاق فإن وحدة السياق تعطي أن المراد أن النبيين بعد ما آتاهم الله الكتاب والحكم والنبوة لا يتأتى لهم أن يدعوا إلى الشريك وكيف يتأتى لهم ذلك وقد أخذ منهم الميثاق