جديا فاصلا من غير هزل ولا خوف ولا رجاء ثم إنه يجزي كل ذي عمل بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر من غير أن يغلبه تعالى غالب أو يحكم عليه حاكم من شريك أو فدية أو خلة أو شفاعة من دون إذنه فكل ذلك ينافي ملكه المطلق لما سواه من خلقه.
وعاشرا ما ذكروه من حديث الفداء وحقيقة الفداء أن يلزم الانسان أو ما يتعلق به من نفس أو مال أثر سيئ من قتل أو فناء فيعوض بغيره أي شئ كان ليصان بذلك من لحوق ذلك الأثر به كما يفدي الانسان الأسير بنفس أو مال وكما تفدي الجرائم والجنايات بالأموال ويسمى البدل فدية وفداء فالتفدية نوع معاملة ينتزع بها حق صاحب الحق وسلطنته عن المفدي عنه إلى الفداء فيستنقذ به المفدي عنه من أن يلحق به الشر.
ومن هنا يظهر أن الفداء غير معقول في ما يتعلق بالله سبحانه فإن السلطنة الإلهية على خلاف السلطنة الوضعية الاعتبارية الانسانية سلطنة حقيقية واقعية غير جائزة التبديل مستحيلة الصرف فالاشياء بأعيانها وآثارها موجودة قائمة بالله سبحانه وكيف يتصور تغيير الواقع عما هو عليه فليس إلا أمرا لا يمكن تعقله فضلا عن أن يمكن وقوعه وهذا بخلاف الملك والسلطنة والحق وأمثالها الدائرة بيننا معاشر أبناء الاجتماع فإنها وأمثالها أمور وضعية اعتبارية زمامها بأيدينا نحن المجتمعين نبطلها مرة ونبدلها أخرى على حسب تغير مصالحنا في الحياة والمعاش (راجع ما تقدم من البحث في تفسير قوله تعالى " ملك يوم الدين " الحمد - 4 وقوله تعالى " قل اللهم مالك الملك الآية " آل عمران - 26). وقد نفى الله سبحانه الفدية بالخصوص في قوله " فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأويكم النار " الحديد - 15 وقد تقدم فيما مر أن من هذا القبيل قول المسيح فيما يحكيه الله تعالى عنه " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إلى أن قال ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " المائدة - 118