فإنما هي بشارة بالخلاص وليست بدعوة إلى الايمان والتدين به وثانيا إن ذلك لا يدفع محذور لغوية الدعوة في فروع الدين من الأخلاق والافعال حتى من المسيح نفسه، والأناجيل مملوءة بذلك وثالثا إن محذور الخطيئة وانتقاض الغرض الإلهي باق على حاله فإن الله تعالى إنما خلقهم ليرحم جميعهم ويبسط النعمة والسعادة على كافتهم وقد آل أمره إلى عقابهم والغضب عليهم وإهلاكهم للأبد إلا شرذمة منهم.
فهذه نبذة من وجوه فساده عند العقل ويؤيده ويجري عليه القرآن الكريم قال تعالى " الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه - 50 فبين أن كل شئ مهدي إلى غايته وما يبتغيه بوجوده والهداية تعم التكوينية والتشريعية فالسنة الإلهية جارية على بسط الهداية ومنها هداية الانسان هداية دينية.
ثم قال تعالى وهو أول هداية دينية ألقاها إلى آدم ومن معه حين إهباطهم من الجنة " قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " البقرة - 39 وما يشتمل عليه بمنزلة التلخيص لتفاصيل الشرائع إلى يوم القيامة ففيه تشريع ووعد ووعيد عليه من غير تردد وارتياب وقد قال تعالى:
" الحق أقول " ص - 84 وقال تعالى " ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد " ق - 29 فبين أنه لا يتردد فيما جزم به من الامر ولا ينقض ما أنفذه من الامر فما يقضيه هو الذي يمضيه وإنما يفعل ما قاله فلا ينحرف فعله عن المجرى الذي أراد عليه لا من جهته نفسه بأن يريد شيئا ثم يتردد في فعله أو يريده ثم يبدو له فلا يفعله ولا جهة غيره بأن يريد شيئا ويقطع به ويعزم عليه ثم يمنعه مانع من العقل أو يبدو إشكال يعترض عليه في طريق الفعل فكل ذلك من قهر القاهر وغلبة المانع الخارجي قال تعالى " والله غالب على أمره " يوسف - 21 وقال تعالى " إن الله بالغ أمره " الطلاق - 3 وقال تعالى حكاية عن موسى " قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى " طه - 52 وقال تعالى " اليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب " المؤمن - 17.
تدل هذه الآيات وما يشابهها على أنه تعالى إنما خلق الخلق ولم يغفل عن أمره ولم يجهل شيئا مما سيظهر منه ولم يندم على ما فعله ثم شرع لهم الشرائع تشريعا