بهذا الوصف حيث قال: " كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم الآية الزمر - 23 والمراد به لا محالة كون آيات الكتاب ذات نسق واحد من حيث جزالة النظم وإتقان الأسلوب وبيان الحقائق والحكم والهداية إلى صريح الحق كما تدل عليه القيود المأخوذة في الآية فهذا التشابه وصف لجميع الكتاب وأما التشابه المذكور في هذه الآية أعني قوله وأخر متشابهات، فمقابلته لقوله منه آيات محكمات هن أم الكتاب وذكر اتباع الذين في قلوبهم زيغ لها ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل كل ذلك يدل على أن المراد بالتشابه كون الآية بحيث لا يتعين مرادها لفهم السامع بمجرد استماعها بل يتردد بين معنى ومعنى حتى يرجع إلى محكمات الكتاب فتعين هي معناها وتبينها بيانا فتصير الآية المتشابهة عند ذلك محكمة بواسطة الآية المحكمة والآية المحكمة محكمة بنفسها كما أن قوله " الرحمن على العرش استوى " طه - 5، يشتبه المراد منه على السامع أول ما يسمعه فإذا رجع إلى مثل قوله تعالى:
" ليس كمثله شئ " الشورى - 11، استقر الذهن على أن المراد به التسلط على الملك والاحاطة على الخلق دون التمكن والاعتماد على المكان المستلزم للتجسم المستحيل على الله سبحانه وكذا قوله تعالى: " إلى ربها ناظرة " القيامة - 23 إذا ارجع إلى مثل قوله: " لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار " الانعام - 103، علم به أن المراد بالنظر غير النظر بالبصر الحسي، وكذا إذا عرضت الآية المنسوخة على الآية الناسخة تبين أن المراد بها حكم محدود بحد الحكم الناسخ وهكذا.
فهذا ما يتحصل من معنى المحكم والمتشابه ويتلقاه الفهم الساذج من مجموع قوله تعالى: هو الذي أنزل عليك الكتاب فيه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات فإن الآية محكمة بلا شك ولو فرض جميع القرآن غيرها متشابها.
ولو كانت هذه الآية متشابهة عادت جميع آيات القرآن متشابهة وفسد التقسيم الذي يدل عليه قوله منه آيات إلخ وبطل العلاج الذي يدل عليه قوله هن أم الكتاب ولم يصدق قوله " كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا " حم السجدة - 4 ولم يتم الاحتجاج الذي يشتمل عليه قوله: " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " النساء - 82 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن القرآن نور وهدى وتبيان وبيان ومبين وذكر ونحو ذلك.