وقد ذكر بعض المفسرين أن المراد من جعله تعالى عدم التكليم آية نهيه عن تكليم الناس ثلاثة أيام والانقطاع فيها إلى ذكر الله وتسبيحه دون اعتقال لسانه قال الصواب أن زكريا أحب بمقتضى الطبيعة البشرية أن يتعين لديه الزمن الذي ينال به تلك المنحة الإلهية ليطمئن قلبه ويبشر أهله فسأل عن الكيفية ولما أجيب بما أجيب به سأل ربه أن يخصه بعبادة يتعجل بها شكره ويكون اتمامه إياها آية وعلامة على حصول المقصود فأمره بأن لا يكلم الناس ثلثه أيام بل ينقطع إلى الذكر والتسبيح مساءا صباحا مده ثلثه أيام فإذا احتاج إلى خطاب الناس أومأ إليهم إيماءا على هذا تكون بشارته لأهله بعد مضي الثلاث الليال انتهى. وأنت خبير بأنه ليس لما ذكره (من مسألته عبادة تكون شكرا للمنحة وانتهائها إلى حصول المقصود وكون انتهائها هو الآية وكون قوله أن لا تكلم مسوقا للنهي التشريعي وكذا إرادته بشارة أهله) في الآية عين ولا أثر.
(كلام في الخواطر الملكية والشيطانية وما يلحق بها من التكليم) قد مر كرارا أن الألفاظ موضوعة لمعانيها من حيث اشتمالها على الأغراض المقصودة منها وأن القول أو الكلام مثلا إنما يسمى به الصوت لإفادته معنى مقصودا يصح السكوت عليه فما يفاد به ذلك كلام وقول سواء كان مفيده صوتا واحدا أو أصواتا متعددة مؤلفة أو غير صوت كالايماء والرمز والناس لا يتوقفون في تسمية الصوت المفيد فائدة تامة كلاما وإن لم يخرج عن شق فم وكذلك في تسمية الايماء قولا وكلاما وإن لم يشتمل على صوت.
والقرآن أيضا يسمي المعاني الملقاة في القلوب من الشيطان كلاما له وقولا منه قال تعالى حكاية عن الشيطان " ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام " النساء - 119 وقال " كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر " الحشر - 16 وقال " يوسوس في صدور الناس " الناس - 5 وقال " يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول " الانعام - 112 وقال أيضا حكاية عن إبليس " إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم " إبراهيم - 22 وقال " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا