غيرهما في غيرهم مع كونهم جميعا من نوع واحد هو الانسان وبين الفريقين وسائط من أهل الايمان ممن لم يستكمل التعليم والتربية الإلهيين.
فهذا ما يتحصل من كلامه تعالى في معنى العذاب وكلامه تعالى مع ذلك لا يستنكف عن تسمية الشقاء الجسماني عذابا لكن نهايته أنه عذاب في مرحلة الجسم دون الروح قال تعالى حكاية عن أيوب عليه السلام: " أنى مسني الشيطان بنصب وعذاب " ص - 41 وقال تعالى: " وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبنائكم ويستحيون نسائكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم " الأعراف - 141 فسمى ما يصنعون بهم بلاء وامتحانا من الله وعذابا في نفسه لا منه سبحانه.
قوله تعالى: إن الله لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء إلخ قد علل تعالى عذاب الذين كفروا بآياته بأنه عزيز ذو انتقام لكن لما كان هذا التعليل لا يخلو عن حاجة إلى ضميمة تنضم إليه ليتم المطلوب فإن العزيز ذا الانتقام يمكن أن يخفي عليه كفر بعض من كفر بنعمته فلا يبادر بالعذاب والانتقام فعقب لذلك الكلام بقوله:
إن الله لا يخفى عليه فبين أنه عزيز لا يخفى عليه شئ ظاهر على الحواس ولا غائب عنها ومن الممكن أن يكون المراد مما في الأرض وما في السماء الأعمال الظاهرة القائمة بالجوارح والخفية الكامنة في القلوب على حد ما نبهنا عليه في قوله تعالى لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله الآية " البقرة - 284.
قوله تعالى: هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء التصوير إلقاء الصورة على الشئ و الصورة تعم ما له ظل كالتمثال وما لا ظل له والأرحام جمع رحم وهو مستقر الجنين من الإناث.
وهذه الآية في معنى الترقي بالنسبة إلى ما سبقها من الآيتين فإن محصل الآيتين:
أن الله تعالى يعذب الذين كفروا بآياته لأنه العزيز المنتقم العالم بالسر والعلانية فلا يغلب في أمره بل هو الغالب ومحصل هذه الآية أن الامر أعظم من ذلك ومن يكفر بآياته ويخالف عن أمره أذل وأوضع من أن يكفر باستقلال من نفسه واعتماد على قدرته من غير أن يأذن الله في ذلك فيغلب هو على أمره تعالى ويبطل النظام الأحسن الذي نظم الله سبحانه عليه الخلقة فتظهر إرادته على إرادة ربه بل الله سبحانه هو أذن