لا يدفع شيئا من النقض بالآيات المذكورة بل هي بحالها وهو ظاهر قد جرى كلامه تعالى ان يعبر عن إفاضة الكتاب على النبي ص بالتنزيل والنزول والنزول يستلزم مقاما أو مكانا عاليا رفيعا يخرج منه الشئ نوعا من الخروج ويقصد مقاما أو مكانا آخر أسفل فيستقر فيه وقد وصف نفسه تعالت ذاته بالعلو ورفعة الدرجات وقد وصف كتابه أنه من عنده قال تعالى إنه على حكيم الشورى - 51 وقال تعالى ولما جائهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم: البقرة - 89 فصح بذلك استعمال لفظ النزول في مورد استقرار الوحي في قلب رسول الله ص وقد ذكروا أن الحق هو الخبر من حيث إن بحذائه خارجا ثابتا كما أن الصدق هو الخبر من حيث إنه مطابق للخارج وعلى هذا فإطلاق الحق على الأعيان الخارجية والأمور الواقعية كما يطلق على الله سبحانه أنه حق وعلى الحقائق الخارجية أنها حقه إنما هو من جهة أن كلا منها حق من جهة الخبر عنها وكيف كان فالمراد بالحق في الآية الامر الثابت الذي لا يقبل البطلان والظاهر أن الباء في قوله بالحق للمصاحبة والمعنى نزل عليك الكتاب تنزيلا يصاحب الحق ولا يفارقه فيوجب مصاحبة الحق ان لا يطرء عليه ولا يخالطه باطل فهو في أمن من جهة ظهور الباطل عليه ففي قوله نزل عليك الكتاب بالحق استعارة بالكناية وقد قيل في معنى الباء وجوه اخر لا يخلو عن سقم.
والتصديق من الصدق يقال صدقت مقالا كذا أي قررته على الصدق واعترفت بكونه صدقا وصدقت فلانا أي اعترفت بصدقه فيما يخبر به.
والمراد مما بين يديه التوراة والإنجيل كما قال تعالى إنا أنزلنا التوراة فيها هدى إلى أن قال وآتيناه الإنجيل فيه هدى إلى أن قال وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب الآية: المائدة - 48 والكلام لا يخلو عن دلالة على أن ما بأيدي اليهود والنصارى من التوراة والإنجيل لا يخلو عن بعض ما أنزله الله على موسى وعيسى عليهما السلام وإن كانا لا يخلوان عن السقط والتحريف فان الدائر بينهم في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو التوراة الموجودة اليوم والأناجيل الأربعة المشهورة فالقرآن يصدق التوراة والإنجيل الموجودين لكن في الجملة لا بالجملة لمكان الآيات