له في ذلك بمعنى أنه نظم الأمور نوع نظم يؤدي إلى وجود الاختيار في الانسان وهو الوصف الذي يمكنه به ركوب صراط الايمان والطاعة أو التزام طريق الكفر والمعصية ليتم بذلك أمر الفتنة والامتحان فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وما يشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين.
فما من كفر ولا إيمان ولا غيرهما إلا عن تقدير وهو نظم الأشياء على نحو يتيسر لكل شئ ما يتوجه إليه من مقاصده التي سوف يستوفيها بعمله بتصويره بصورته الخاصة التي تمهد له السلوك إلى ما يسلك إليه فالله سبحانه هو الغالب على أمره القاهر في إرادته المهيمن على خلقه يظن الانسان أنه يفعل ما يشاء ويتصرف فيما يريد ويقطع بذلك النظم المتصل الذي نظمه الله في الكون فيسبق التقدير وهذا بعينه من القدر.
وهذا هو المراد بقوله يصوركم في الأرحام كيف يشاء أي ينظم أجزاء وجودكم في بدء الامر على نحو يؤدي إلى ما يشاءه في ختمه مشية اذن لا مشية حتم. وإنما خص الكلام بالتقدير الجاري في الانسان ولم يذكر التقدير العام الجاري في العالم كله لينطبق على المورد ولما مر أن في الآيات تعريضا للنصارى في قولهم في المسيح عليه السلام والآيات منتهية إلى ما هو الحق من أمره فإن النصارى لا ينكرون كينونته عليه السلام في الرحم وأنه لم يكون نفسه.
والتعميم بعد التخصيص في الخطاب أعني قوله: يصوركم بعد قوله نزل عليك للدلالة على أن ايمان المؤمنين أيضا ككفر الكافرين غير خارج عن حكم القدر فتطيب نفوسهم بالرحمة والموهبة الإلهية في حق أنفسهم ويتسلوا بما سمعوه من أمر القدر ومن أمر الانتقام فيما يعظم عليهم من كفر الكافرين.
قوله تعالى: لا إله إلا هو العزيز الحكيم فيه عود إلى ما بدء به الكلام في الآيات من التوحيد وهو بمنزلة تلخيص الدليل للتأكيد.
فإن هذه الأمور المذكورة أعني: هداية الخلق بعد ايجادهم وإنزال الكتاب والفرقان وإتقان التدبير بتعذيب الكافرين أمور لا بد أن تستند إلى إله يدبرها وإذ لا إله إلا الله تعالى شأنه فهو الذي يهدي الناس وهو الذي ينزل الكتاب والفرقان