التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٦ - الصفحة ٢٩
الذي عليه مسجد الفتح اليوم فدعا الله عز وجل، وناجاه فيما وعده وكان مما دعاه أن قال: يا صريخ المكروبين، ويا مجيب دعوة المضطرين، ويا كاشف الكرب العظيم، أنت مولاي ووليي وولي آبائي الأولين إكشف عنا غمنا، وهمنا، وكربنا، واكشف عنا شر هؤلاء القوم بقوتك وحولك وقدرتك. فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا محمد إن الله عز وجل قد سمع مقالتك، وأجاب دعوتك، وأمر الدبور وهي الريح مع الملائكة أن تهزم قريشا والأحزاب، وبعث الله عز وجل على قريش الدبور فانهزموا، وقلعت أخبيتهم، ونزل جبرئيل (عليه السلام) فأخبره بذلك. فنادى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) وكان قريبا منه فلم يجبه، ثم نادى ثانيا فلم يجبه، ثم ناداه ثالثا فقال: لبيك يا رسول الله، قال أدعوك فلا تجيبني؟ قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي من الخوف والبرد والجوع. فقال: ادخل في القوم وائتني بأخبارهم، ولا تحدثن حدثا حتى ترجع إلي فإن الله عز وجل قد أخبرني أنه قد أرسل الرياح على قريش وهزمهم. قال حذيفة:
فمضيت وأنا أنتفض من البرد فوالله ما كان إلا بقدر ما جزت الخندق حتى كأني في الحمام، فقصدت خباء عظيما فإذا نار تخبو وتوقد وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلى خصيتيه على النار، وهو ينتفض من شدة البرد، ويقول: يا معشر قريش إن كنا نقاتل أهل السماء بزعم محمد (صلى الله عليه وآله) فلا طاقة لنا بأهل السماء، وإن كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم، ثم قال: لينظر كل رجل منكم إلى جليسه لا يكون لمحمد عين فيما بيننا قال حذيفة فبادرت أنا فقلت للذي عن يميني:
من أنت؟ فقال: أنا عمر بن العاص، ثم قلت للذي عن يساري: من أنت؟ قال: أنا معاوية، وإنما بادرت إلى ذلك لئلا يسألني أحد من أنت، ثم ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة فلولا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تحدث حدثا حتى ترجع إلي لقدرت أن أقتله. ثم قال أبو سفيان لخالد ابن الوليد: يا أبا سليمان لا بد من أن أقيم أنا وأنت على ضعفاء الناس، ثم قال: ارتحلوا إنا مرتحلون، ففروا منهزمين فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأصحابه: لا تبرحوا فلما طلعت الشمس دخلوا المدينة، وبقي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في نفر يسير. وكان ابن عرقد الكناني رمى سعد بن معاذ بسهم في الخندق فقطع أكحله فنزفه الدم فقبض سعد على أكحله بيده ثم قال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فلا أجد أحب إلي من محاربتهم من قوم حاربوا الله ورسوله، وإن كانت الحرب قد وضعت أوزارها بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين قريش فاجعلها
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»