التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٦ - الصفحة ٢٥
فقال: يا رسول الله قد آمنت بالله وصدقتك، وكتمت إيماني عن الكفرة، فإن أمرتني أن آتيك بنفسي وأنصرك بنفسي فعلت، وإن أمرتني أن أخذل بين اليهود وبين قريش فعلت حتى لا يخرجوا من حصنهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أخذل بين اليهود وبين قريش فإنه أوقع عندي، قال: فتأذن لي أن أقول فيك ما أريد؟ قال: قل ما بدا لك. فجاء إلى أبي سفيان فقال له: أتعرف مودتي لكم ونصحي ومحبتي أن ينصركم الله على عدوكم، وقد بلغني أن محمدا قد وافق اليهود أن يدخلوا بين عسكركم ويميلوا عليكم ووعدهم إذا فعلوا ذلك أن يرد عليهم جناحهم الذي قطعه بنو النضير وقينقاع فلا أرى أن تدعوهم يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم رهنا تبعثوا به إلى مكة فتأمنوا مكرهم وغدرهم. فقال له أبو سفيان: وفقك الله وأحسن جزاك مثلك أهدى النصائح ولم يعلم أبو سفيان بإسلام نعيم، ولا أحد من اليهود. ثم جاء من فوره ذلك إلى بني قريظة فقال له: يا كعب تعلم مودتي لكم، وقد بلغني أن أبا سفيان قال: نخرج بهؤلاء اليهود فنضعهم في نحر محمد (صلى الله عليه وآله) فان ظفروا كان الذكر لنا دونهم، وإن كانت علينا كانوا هؤلاء مقاديم الحرب فما أرى لكم أن تدعوهم يدخلوا عسكركم حتى تأخذوا منهم عشرة من أشرافهم يكونون في حصنكم إنهم إن لم يظفروا بمحمد (صلى الله عليه وآله) لم يرجعوا حتى يردوا عليكم عهدكم وعقدكم بين محمد (صلى الله عليه وآله) وبينكم لأنه إن ولت قريش ولم يظفروا بمحمد غزاكم محمد (صلى الله عليه وآله) فيقتلكم. فقالوا: أحسنت وأبلغت في النصيحة لا نخرج من حصننا حتى نأخذ منهم رهنا يكونون في حصننا. وأقبلت قريش فلما نظروا إلى الخندق قالوا: هذه مكيدة، ما كانت العرب تعرفها قبل ذلك، فقيل لهم: هذا من تدبير الفارسي الذي معه، فوافى عمرو بن عبد ود، وهبيرة بن وهب، وضرار بن الخطاب إلى الخندق، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد صف أصحابه بين يديه فصاحوا بخيلهم حتى طفروا الخندق إلى جانب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصار أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلهم خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقدموا رسول الله بين أيديهم، وقال رجل من المهاجرين وهو فلان لرجل بجنبه من إخوانه: أما ترى هذا الشيطان عمروا أما والله ما يفلت من بين يديه أحد فهلموا ندفع إليه محمد (صلى الله عليه وآله) ليقتله ونلحق نحن بقومنا، فأنزل الله عز وجل على نبيه (صلى الله عليه وآله) في ذلك الوقت: " قد يعلم الله المعوقين منكم " إلى قوله تعالى: " وكان ذلك على الله يسيرا ".
وركز عمرو بن عبد ود رمحه في الأرض وأقبل يجول جولة ويرتجز ويقول:
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»